مضى الشهر الكريم وانتهى سباق الخير وفاز من فاز وخسر من خسر، ربنا ذو الجلال والإكرام يغدق علينا بمواسم الطاعات بالغنائم الجزيلة والأجور الغزيرة والعتق من النيران، ما أعظمها من فرحة لمن شمر وسابق وجاهد وصابر، فمن جد وجد ومن زرع حصد، يا جمال الشعور ويا حلاوة الظفر لأصحاب الهمم العالية والنفوس التواقة، فها هي الملائكة بعد صلاة العيد تتزاحم في الطرقات فتنزل البركات والبشارات وتوزع العطاءات من خزائن الرحمن، يا رب يا قديم الإحسان أكرمنا ولا تحرمنا.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه ما الدروس المستفادة من رمضان سيد الشهور وأعظمها؟
أنا أعتقد أن شهر رمضان دورة ربانية تدريبية مكثفة لتهذيب النفوس وشحذ الهمم وصقل الإيمانيات، خذ على سبيل المثال لا الحصر الجانب الروحي تجد الصائمين ينشطون في تزكية نفوسهم والارتقاء بصيامهم والسعي في رضا ربهم طمعا في نيل شرف درجة المتقين، وتجد هناك من يسابق في فعل الخيرات وتقديم الصدقات وإخراج الزكوات والسعي في قضاء الحاجات خفية دون مقابل لا يريد جزاء ولا شكورا، بل همه الأوحد أن يكتبه الله من عتقاء النار ومن سكان الجنان.
والجميل ترى من أسرف على نفسه طوال السنة بالتهام ما لذ وطاب من أصناف الطعام بأن ينتظم في شهر رمضان بنظام غذائي صارم.
ويبقى الدرس الرئيسي والأساسي المستفاد من هذا الشهر العظيم:
أننا قادرون بعد توفيق الله عز وجل …
أننا أصحاب ارادة فولاذية …
أننا أصحاب قرار والقرار بأيدينا …
أننا نملك زمام أنفسنا …
أؤكد أن صيام شهر رمضان خير معين لنا من بعد الله سبحانه وتعالى في مسح كلمة لا أستطيع من قاموس حياتنا، فبعد الدورة الربانية الرمضانية والتدريب الحثيث في تزكية النفوس، والدخول في مدرسة رمضان والتخرج منها بافتخار لا تقول لا أستطيع، بل قل أنا قادر بحول الله وقوته، كيف لا تستطيع قيام الليل؟ وأنت تقف خلف الأمام بالمسجد ساعات طويلة لأداء صلاة التراويح وقيام الليل، كيف لا تستطيع ترك التدخين؟ وأنت تمتنع عن شرب السجائر منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كيف لا تستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر؟ وأنت في رمضان تصلي في المسجد بل وفي الصف الأول، كيف لا تستطيع اتباع حمية غذائية للحفاظ على صحتك؟ وأنت في رمضان تمسك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى موعد الإفطار، كيف وكيف وكيف؟
لا تخدع نفسك ولا تخذلها ولا توهم حالك بالعجز، بل أنا أجزم بأنك تملك القوة والإرادة والشجاعة من بعد الله عز وجل في النجاح وفي إعادة ترتيب أوراقك وتعديل مسار حياتك.
تحرر من قيودك وتخلص من مخاوف الفشل، فالقضية قضيتك والقرار قرارك، أنت وحدك من يحدد.
إما أن تكون عملة نادرة ورقما صعبا في هذه الحياة، وإما أن تكون صفرا على الشمال تعيش على هامش الحياة.
ebtisam_aloun@