جعفر محمد
إذا كان لديك ولد في سن الخامسة عشرة وبلغت مصاريفه الشهرية 100 دينار فأنت عاجز اكتواريا، لأنه بعد ثلاث سنوات سيحتاج إلى سيارة قيمتها المتوقعة ثمانية آلاف دينار، وإذا ما قسّمتها على السنوات الثلاث فإن العجز الاكتواري سيبلغ 2664 دينارا سنويا أي 222 دينارا شهريا، بواقع 7 دنانير يوميا، هذا إن كان لك ولد واحد فقط، فكيف إن كانوا ولدين وبنتين في سن متقاربة؟!
فيجب عليك تدارك الموضوع والتوجه إلى أقرب مسجد لتقول يا الله، من مال الله، ولله يا محسنين، أو تلجأ للجان الخيرية التي ستسوف وتماطل فتفرط دون أدنى نتيجة متوقعة، أو تعمل 20 ساعة يوميا وتفني شبابك على ما تنبأ لك به العجز الاكتواري الذي لا يعرف للتفاؤل أي طريق، فما يسمى بالعجز الاكتواري إن كان قانونا محاسبيا أو قاعدة رياضية، أظن أنه يخص البخلاء أو المستبخلين أصحاب النظرة التي لا تتجاوز الأنوف، وإن كان قاعدة فلي الحق أن أعرض عليها وضعنا السياسي في الكويت، لأرى وأكتشف كما من العجز الاكتواري السياسي الذي نعانيه بسبب سياسات خاطئة وضعتها الحكومات السابقة واللاحقة، فهذه قضايا الإسكان والتعليم والصحة والمرور كلها تئن من العجز الاكتواري السياسي، بسبب قصر نظر كان قد أصاب أصحاب الرؤية في فهم التضخم المجتمعي الذي جعل للكويت تركيبة سكانية معاقة، وتعليما متخلفا لا يعي المخرجات التي يحتاجها سوق العمل، وطبابة تدرجت من الاسبرين إلى البنادول و«خد بالك من نفسك»، ومرورا يائسا يجعل من يخرج للعمل صباحا مختنقا، كالمتجول مساء للتسوق، مقتولا من الهم، فأي عجز اكتواري سياسي هذا الذي لم ينتبه إليه احد من السياسيين، ولم ينبهنا له أحد من العالمين ببواطن الأمور من هؤلاء المستشارين الذين رفضتهم الحياة السياسية، منذ ما يقارب ثلاثة عقود مضت؟ وآخر ما قتلنا هو إلغاء وزارة التخطيط التي لم تخطط إلا لوضع مشاريعها في الأدراج، والتباهي بعد أن ينفذها الجيران بأنها لنا، وكأن من ألغى الوزارة استصعب عليه تصحيح مسارها فزادنا هما وبلوى، ألا يعد كل هذا عجزا وإفلاسا اكتواريا سياسيا؟ وإلا فقط حين يكون المستفيد المواطن من وفرة الخير لينعم بمقدرات بلده، يصبح العجز الاكتواري إماما وقدوة وخطرا يداهم الدولة.
يا أمة بكى من جهلها القساة، ويا امة لا تعرف من السياسة إلا قشورها، ارحموا هذا الشعب الذي وصلت خيراته للجميع من أحباب وأعداء، وتلحف ببطانياته الكل وهو بلا خير وبلا غطاء.
كلمة راس:
هذه دعوة لقراءة فصول تاريخية مهمة في إدارة بيت المال إبان الدولة الإسلامية، فهي نموذج لا يضاهيه نموذج في الكون منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وصولا إلى الإمام علي عليه السلام في منح الحقوق وزيادة العطاء، فهو، أي الإمام علي عليه السلام، يعلم بما لا تعلمون بفضل علمه الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهل من وقفة؟!