يوم رسخ بالتاريخ ورسم لنا مرحلة كان يرى صاحبها ببصيرته قبل بصره كويت المستقبل، يوم وقع فيه (أبو الدستور) مواد تكفل حقوق المواطنين وتدعم حرياتهم لسقف عال في وقت سبقنا فيه المنطقة وأصبحنا منارة يضرب بها المثل لديموقراطيتنا العريقة، انه الراحل الحاضر المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح، رحمه الله.
انه ليوم الوطن والمواطن 1962/11/11، فبعد يوم الاستقلال العظيم جاء القانون الذي يضمه الدستور لينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وحقوق المواطنين بأسمى أشكالها، ونظم العمل وفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأعطى المواطن حق الترشح لمجلس الأمة وحق التصويت والاختيار لأنه كما جاء في الدستور «الشعب مصدر السلطات».
الدستور بين الماضي والحاضر، نعم هو ليس ثابتا أو شاملا ولكن أرسى المبادئ الأساسية، ونؤيد التغير في المواد بشرط ان يكفل المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين وليس أقل من ذلك، وأيضا نؤيد تعديل النظام الانتخابي وتطويره فلا مكان للجمود في النظام الديموقراطي.
الهدف والغاية، الارتقاء بالعمل الديموقراطي وزيادة الوعي لدى المواطنين، ونحن شعب يعشق «الحرية» في إطار «القيم والعادات والتقاليد» وكذلك تلزمنا «القيم الإسلامية»، الديموقراطية الكويتية تأخذ ما يناسبها من نموذج الديوموقراطية الغربية ولكن لا ننسلخ من مجتمعنا الخليجي العربي المسلم.
ويتزامن اليوم ذكرى ٥٧ عاما على توقيع دستور الكويت، مع تظاهرات انطلقت تحت مسمي #بس_امصخت، وهذا التجمع دعا له النائب السابق صالح الملا لساحة الإرادة المفترض ان يكون صامتا دون تصريحات كما ذكر لإيصال رسالة للحكومة بتفشي الفساد.
نصت المادة 44 من الدستور على أنه «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة.
والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سليمة ولا تنافي الآداب».
إلا ان الساحة أصبحت لمطالبة (البدون) بالجنسية الكويتية! ووفق (المادة ٢٧) الجنسية الكويتية يحددها القانون - فهل البدون مواطنون لكي يطالبوا الحكومة والمجلس بإصلاحات الشأن الداخلي؟
كما ان شعارات مثل ارحل يا جابر وارحل يا مرزوق لم تكن مقبولة ولا شيء بدستورنا وديموقراطيتنا الكويتية يجبر أحدهم على الرحيل! فرئيس الحكومة يتم تكليفه من صاحب السمو، ورئيس المجلس يختاره أعضاء مجلس الأمة بالتصويت والإجماع ومن جاء بهؤلاء النواب هم الشعب الكويتي - أي ان الشعب يختار رئيس مجلس الأمة - فهل ندعو لأن نرحل أنفسنا بأنفسنا!
سيجيبني المعارضون بأن الحكومة فاسدة ولا يعجبني أداء رئيس مجلس الأمة، بل ولم يأت النواب بقرارات شعبية مثل وعودهم قبل الانتخابات، بل ازداد المواطن و«غرق» في غلاء المعيشة والديون وفوائض القروض ومشاكل إسكانية وصحية وتعليمية وبنية تحتية! وهي دفعتنا لساحة الإرادة!
للديموقراطية إيجابيات وسلبيات، وعلينا بقبول نتائج ما يتم اختياره بالأدوات والوسائل المتاحة لنا كمواطنين وتغييره بذات الطريقة.
فنحن إذن جزء من ذلك الخلل، وما أملكه لأعبر من خلاله كمواطن عما أريد من خلال قوانين كفلها الدستور سواء قولا او كتابة وأوجهه للسلطة، فلن أضطر للنزول الى الشارع لأن الدستور خصص لي ذلك الحق من خلال اختيار النواب تحت قبة قاعة عبدالله السالم ولهم حق طرح القوانين والتشريعات ومناقشتها وعرضها على الحكومة وإقرارها.
مرة أخرى، هل يجب أن أنزل للشارع؟! إن كان لي حق اختيار من يمثلني في مجلس الأمة كل ٤ سنوات، ولم يبق على عمر هذا المجلس إلا عام واحد، إذن سأغير «بإرادتي» التي كفلها لي الدستور باختيار من يمثلني كما لأي مواطن تنطبق عليه الشروط الحق بأن يكون مرشحا كنائب لمجلس الأمة.
وممكن ان نثري المجتمع بالجانب التوعوي والتجمعات السلمية الواضحة والمحددة ومبنية على أسس ومعايير واقعية كالرغبة بتغيير النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية وتطوير الأجهزة والآلية الرقابية للقضاء على الفساد وتقديم حلول للارتقاء بمستوى الحياة الكريمة للمواطنين مقابل ارتفاع الأسعار والخدمات وإيصال صوت المواطنين بطريقة عقلانية للسلطة، هذا أفضل من الهتافات التي تشحن النفوس وتجعلهم مهيئين للتصادم مع النظام العام للدولة ويدخلهم في مخالفة القوانين.
لن نترك مجالا للتكسب علينا من خلال شعارات لا تمثلنا او يتسلق علينا البعض بمطالبه ويجعل منها قضية تشمل جميع المواطنين، وأن تكون فرصة للاستعراض لم يريد الرجوع للساحة السياسية او ان يشتهر ويستغل وجود حشود يحتمي بينها ويصرخ بكلمات لا تمثلني.
لا ترحل يا جابر ولا ترحل يا مرزوق بل ليبقى كل منكما ويتحمل مسؤولياته وغير ذلك لن نقبل به إلا وفق القانون والدستور.
لن تكون الكويت ساحة للفوضى هذا ما أراده البعض سابقا حتى اختلفوا وانشقوا بينهم وكان لهم القانون بالمرصاد وعاد بعضهم الى الانتخابات والدستور فلا طريق إلا هذا الطريق.
بالمختصر: دستور الكويت هو سورها الحامي والسد المنيع لمواجهة المشكلات والأزمات والانتصار للحقوق والحريات.
رسالة: نعبر عن آرائنا ونطالب بحقوقنا وفق الدستور ولن ننجرف لشعارات وهتافات عائمة تعود بنا لمرحلة اللا ديموقراطية واللا دستور.