«رحماء بينهم» وصف ورد في الآية 29 من سورة الفتح لأتباع الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو وصف للرحمة كقيمة وطبيعة تحكم العلاقة بين الأفراد والجماعات والمجتمعات الإسلامية التي تشملها وتشرفها المعية المحمدية، بغض النظر عن اختلاف مناطقهم الجغرافية وأعراقهم ومدارسهم الفكرية، مما يرسخ الحقيقة بكون هذه الاختلافات لا ترقى لأن تكون مبررا لإقصاء الآخر المختلف وانتهاك حقوقه ومقدساته ولا تجيز قتله والاعتداء عليه. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا بعث سرية، قال لهم: «إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم أذانا فلا تقتلوا أحدا». ما يجري اليوم في أجزاء العالم الإسلامي وبين أبنائه من التنافر ومظاهر القطيعة والعنف والقتل لا يعبر عن حقيقة الهوية الإسلامية في اتصافها بالرحمة بين من يدعيها ويزعم أنه من أتباع نبي الرحمة والإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وحيث إن الاختلافات البشرية جعلها الله موردا للتكامل وليس سببا للتدابر والتنازع «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» الحجرات/ 13، فإن واقع التمزق وإراقة الدماء وانتهاك الحرمات الذي يجري بين المسلمين تخطط له وتوظف اختلافاتنا لتحولها إلى خلافات طاحنة تنفذها بأيدينا إرادات سياسية خارجية تحلم بالسيادة العالمية، وقد استغلت في بعضنا تضخم الذات والروح الفئوية والجهل بحقائق الأمور والأطماع المبنية على أوهام لنفتت أنفسنا بأنفسنا.
في عالم تسوده الأطماع السياسية والاقتصادية، حيث لا مكان للمبادئ والأخلاق ولا ثبات لصداقة ولا عداء، ينبغي لشعوبنا ودولنا العربية والإسلامية أن تلتفت لمصالحها الحقيقية وأعدائها الواقعيين، فتمد جسور التواصل الإيجابي فيما بينها والتسامح والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة والتصدي للمخاطر التي تهددها، ولتتكامل في تبادل المنافع والحاجات.
تميزت الكويت بحكمة قائدها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد «قائد العمل الإنساني» وبدور فعال في رأب الصدع ومد جسور التعاون بين الدول العربية والإسلامية، فليس غريبا على الشعب الكويتي في هذا المنحى أن تتشكل منه منذ أكثر من سنة رابطة صداقة شعبية تداعت لتعزيز الثقة وتعميق التعاون بين الشعب الكويتي وشعب الجارة جمهورية إيران الإسلامية، وهي جهود تتوازى مع تطلعات الكويت وأميرها في تقوية أواصر الجوار فيما يتعلق بالمصالح والمخاطر المشتركة. لقد قامت رابطة الصداقة الكويتية ـ الإيرانية بزيارتها الأولى لإيران لتقابل نظيرتها رابطة الصداقة الإيرانية ـ الكويتية في الفترة من 22 إلى 26 نوفمبر 2014م، وقد تكللت الزيارة بالنجاح، وانبثق من الرابطتين فريق عمل مشترك قد وضع الرؤى والأهداف للعمل البناء في تبادل الخبرات والتجارب في شتى الميادين الثقافية والعلمية والفنية والاجتماعية والاقتصادية. وقد حظيت الرابطتان بعناية بالغة من قادة وأصحاب القرار في البلدين الجارين، ومتى ما تحقق النجاح العملي لمبادرة الصداقة هذه فإنها بالنتيجة ستحفز على قيام روابط صداقة أخرى بين دول المنطقة لتعمل على تعزيز التنمية والسلم والأمن الإقليمي على مستوى الشعوب والدول بإذن الله وتوفيقه، وهذا ما تتطلع له الكويت كشعب وقيادة.
[email protected]