فُجعت الكويت عصر الجمعة في التاسع من شهر رمضان المبارك الذي حرم الله فيه القتال باغتيال آثم طال المصلين في مسجد الإمام الصادق عليه السلام وهم في سجود الركعة الأخيرة من صلاة العصر، وقد استشهد في هذه الفاجعة 27 مواطن وأصيب 227.
أما كيف تم التعاطي الرسمي والشعبي مع هذا الحدث؟.. فجواب هذا التساؤل، والعمل على تطوير التعامل مع هذا الحدث ليصل إلى مستوى مواجهة المخاطر الحقيقية، هو موضوع هذه المقالة المختصرة.
لقد وقف الشعب الكويتي كعادته المميزة بأغلب فئاته وطوائفه متآزرا في وجه المحنة، وتصدر الموقف في مساندة المنكوبين وأهالي الشهداء صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح بنفس أبوي حميمي يندر نظيره، والجميع قد أدان الجريمة وتنادى لعلاج جذورها كي لا تتكرر باعتبارها نزاعا طائفيا. هل ما حدث فعلا هو مؤشر لبداية اقتتال طائفي دموي في الكويت؟
كل المؤشرات الصادرة منذ مدة ليست طويلة من مراكز الدراسات الاستراتيجية، والبيوتات الاستشارية العالمية، ومصادرهم الإعلامية الرئيسية المقروءة والمرئية تدل على أن ما ستواجهه الدول العربية، ومن ضمنها الكويت، ودول الخليج العربي، هو سايكس بيكو ثان، ستغيب فيه دول، وتظهر دول جديدة، ومن أهم الآليات المتبعة لتنفيذ هذه الأهداف استثارة النزاعات الطائفية والعنصرية والقبلية والفئوية، وتنميتها لأبعد حد، وبأسلوب عميق الأثر، ألا وهو إراقة الدماء، والتوغل في الوحشية المقززة في القتل والتعذيب والتمثيل بجثث الضحايا، والمؤلم في ذلك كله أن يكون الأبرز فيه ما يسمى بمشروع الدولة الإسلامية الداعشية، التي من حيث انها تدري أو لا تدري تنفذ أهداف أعداء الإنسانية والإسلام بشعارات الله أكبر، ولا إله إلا الله، حتى اقترنت هذه الشعارات المقدسة بالتدفق الإعلامي العالمي في نفس الإنسان في كل مكان بالقسوة والتوحش الذي يخالف الإسلام دين الرحمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
إنها إذن حرب أطماع استراتيجية شرسة توظف لبسط نفوذها تدمير التاريخ والمجتمعات والنفوس والعقول لتديرها بأسلوبها الخاص نحو أهدافها الاستنزافية بعيدة المدى. ولم يعد ذلك سرا خافيا على المطلع المتدبر في التصريحات والكتابات وتجسداتها في الدول العربية السائرة إلى التشرذم والتفتت.
فقد نشرت جريدة نيويورك تايمز الأميركية في سبتمبر 2013م نقلا عن مركز دراسات تابع لها، أن التفتت وسلسلة الانقسامات الناجمة عن النزاعات والخلافات الإثنية والطائفية، سيعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد في صورة أكثر مأساوية منذ معاهدة «سايكس بيكو» في عام 1916، وتكلمت بشيء من التفصيل عن سيناريوهات تقسيم سورية والعراق وليبيا واليمن ودول من شبه الجزيرة العربية، وأيضا سربت من الپنتاغون في 2013م دراسة حول مخطط يقضي بتفتيت الدول العربية قبل 2015م، وهي دراسة تحوي ما يقارب 1736 صفحة كتشخيص دقيق لأوضاع الدول العربية بما فيها دول الخليج، ويعززها أبحاث ودراسات وتوصيات أجريت وفقا لتحليلات ميدانية مدعمه قامت بها معاهد وجامعات سياسية ومراكز عسكرية.
ولم ننس تصريحات شخصيات سياسية على اطلاع على مثل هذه الدراسات بين وقت وآخر، ولعل أقربها إلى أسماعنا كان تصريح السفيرة الأميركية السابقة في الكويت ديبورا جونز بأن الكويت لن تكون على الخريطة الجغرافية عام 2020م.
إذن بعد أن وصلتنا نذر الحرب بتفجير مسجد الإمام الصادق عليه السلام، لنحدد وجهة المعركة الحقيقية، وهي القضاء على وجودنا كدولة وشعب، ولا يعني ذلك ألا نواجه آليات هذه الحرب الخطرة كإثارة الطائفية والعنصرية والفئوية، بل إلى جانب التصدي لها بتعزيز الوحدة الوطنية نحتاج إلى الاستنفار التام والتجهز التحصيني الأمني والسياسي والاجتماعي والثقافي على مستوى الدولة والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لصراع يهدد وجودنا بقناع الطائفية التي قتلت فيه «داعش» من أشراف أهل السنّة وعلمائها في سورية والعراق أكثر مما فعلت مع الشيعة. [email protected]