تفصح الأيام عن مكانة الخالدين من الرجال وتكشف السنوات عن عظيم أفعالهم ويبقى تاريخهم بمزيد من الهيبة والسمو، فرغم سنوات البعد ما بين موت وحياة مازال الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله طيب الله ثراه يسكن أرواحنا وعبير أفعاله ينير الحياة لنا خيرا ووفاء، حيث يتزامن اليوم مع ذكرى مرور أربع سنوات على رحيل سموه الذي توفاه الله الى مثواه الأخير في 13/5/2008 ولتفسير سر العهد الروحاني والارتباط العقلاني بين الأمير الوالد رحمه الله وبين شعبه لوجدت انه الاستدلال بمعنى ما قاله رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ان من أحبه الله حبب فيه خلقه، فلقد كان سموه يراعي الله في نفسه وفي وطنه وكان حريصا على جعل العلاقة بينه وبين ربه هي الحاكم فيما يصدر عنه وهي المرجح فيما يفعل والفيصل فيما يفكر ويقرر، هذه هي المبادئ التي كان يستند اليها طيب الله ثراه في يوميات حياته وعلاقاته مع شعبه وأهله، وبها استحق تلك المنزلة الكبيرة في قلوب من عملوا معه وأحاطوا به، وبهذا فقد ظل طيب الله ثراه حيا في قلوب شعبه رغم فراق الأجساد وتباعد الزمن والمسافات، فلقد كان قائدا ملهما بمواقفه وكانت عزائمه نصرا للإنسانية والحق والكرامة وكانت مروءته فخرا لا ينازعه فيه الا التواضع لرب العالمين واحترام شعبه.
ولقد كانت لسموه مبادرات بإغاثة المستغيث ويعتبرها واجبا وفرضا يجري في دمه، ولهذا عرفه الناس في بلاده وأحبه قويهم وضعيفهم وكل من لامسته نفحات مسيرته العطرة محبة إخلاص وتفان.
ونذكر من مبادرات سموه مؤتمر جدة الشعبي الذي كانت الكويت بحاجة إليه في وقت الاحتلال والذي عقد من 13 الى 15/10/1990 والذي كان لنجاحه الصدى الكبير لدول العالم والدول الدائمة العضوية لمجلس الأمن، حيث يراهن بعض الدول وأناس آخرون على تعثر هذا المؤتمر وفكرته ولكن الله كان مع الكويت وأهلها، فلقد نجح المؤتمر في لمّ شمل أهل الكويت ورص الصفوف ووحدة الكلمة، فكان لسموه الدور الكبير، حيث كان يعمل ليل نهار مع القائمين على هذا المؤتمر حتى انتهى بنجاح وبتوصيات أجمع عليها أهل الكويت المجتمعين بقصر المؤتمرات بجدة لهذا المؤتمر.
فقد قام سموه بجولات مكوكية لعدد من الدول العربية والأوروبية والتقى المواطنين الكويتيين في كل دولة وطرح عليهم رحمه الله فكرة المؤتمر، حيث أيدوا سموه رحمه الله وأبدوا استعدادهم بالمشاركة والحضور.
وكان للدعم الكامل لسمو الأمير الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه ومساندة رفيق دربه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله والوزراء والمخلصين من أهل الكويت الذين عملوا مع سمو الأمير الوالد ليل نهار من أسباب نجاح هذا المؤتمر، ولا ننسى الداعم الأكبر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه وولي عهده الأمين آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله اللذين سخرا امكانيات المملكة لانجاح هذا المؤتمر، فلقد كان لسموه الدور الكبير في اللقاء الذي تم يوم الجمعة 12/10/1990 من بعد الساعة الرابعة عصرا الى بعد منتصف الليل والذي أزال العقبات قبل بداية المؤتمر بأقل من 24 ساعة في اجتماع جمع عددا من أهل الكويت لم يفرق بين سنّة وشيعة وبدو وحضر بعدد من الفعاليات السياسية لا يتجاوزون 30 شخصية، رحم الله المتوفى منهم وحفظ وعافى الله الموجود منهم الذين أبدوا التنازلات لرأب الصدع وعلاج بعض الجروح، وبالفعل انتهى الاجتماع الذي يرأسه سمو الأمير الوالد الشيخ سعد طيب الله ثراه مزيل العقبات ومذوب الجليد بعد منتصف الليل بنجاح قبل بداية المؤتمر في الصباح الباكر برعاية وحضور سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه والذي انتهى فيه المؤتمر يوم 15/10/1990 بتوصيات تدعم العمل على تحرير الكويت وعودة الشرعية، وفي المساء عاد سموه رحمه الله الى الطائف وكان يرافقه من بداية المؤتمر سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد حفظه الله القريب الى قلبه طيب الله ثراه رجل الانسانية والتواضع ومخافة الله، ولقد كان لعمل سمو الأمير الوالد رحمه الله ليل نهار من أجل الكويت وتحريرها ونجاح هذا المؤتمر انه نسي علاجه الذي كان يأخذه بتوصية من الأطباء ولم يذكره الا بعد فترة وبعد إحساسه بالألم ومراجعة الأطباء، لأن همه وشغله الشاغل كانا هما الكويت وتحريرها وراحة بال أهلها ومتابعتهم بالداخل والخارج.
وهكذا يظل الأبطال أحياء بعد مماتهم يذكرهم التاريخ بعد وفاتهم، ورغم مرور الأيام والسنين فإن ذكراك ومحبتك يا سمو الأمير الوالد تسري في العروق ولن نسمح لعوارض النسيان ان تنازعنا في ذلك.
رحمك الله وطيب ثراك.. ومن ينطبق عليهم قول الشاعر أمثال سموك:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
وفي الختام رحم الله سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد أمير القلوب طيب الله ثراه ورحم الله سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله طيب الله ثراه.
وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه وجعلها واحة أمن وأمان في ظل قيادة حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه الله صمام أمان الكويت بعد الله عز وجل وولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد حفظه الله.