خالد القطان
كانت رحلتي الأولى لجمهورية ايرلندا على متن الخطوط الجوية البريطانية رائعة وما يميزها اكثر هو جلوس كاتب ايرلندي لصحيفة الايرش تايمز بالمقعد المجاور مقعدي بالضبط ودار بيننا نقاش طويل لنتغلب على ساعات السفر المملة واليكم جزء من هذا الحوار المقتضب (جدل بيزنطي) بعد ان طاحت الميانة:
تساؤلات كانت تدور في مخيلته ناقشتها معه بهدوء قبل ان يحمي الوطيس في نقاش آخر.
الايرلندي: لديك زوجة واحدة على الطائرة ماذا عن زوجاتك الأخريات؟ هل فعلا أمام خيمة كل منكم بئر بترول؟ كم سيارة مرسيدس لديك فأنا سمعت ان لديكم الكثير منها؟ سمعت انكم - الخليجيين - كالجمال تتحمل ولكنها لا تنسى؟
أنا: نحن أمة مسلمة نعيش باستقرار وأمن دائمين نتكامل مع بعضنا البعض ولا نتفاضل على بعضنا البعض، أولا: لست من مؤيدي تعدد الزوجات ولكن الدين الاسلامي شرعه وهو رخصة مقيدة بإنصاف كل زوجة وحسن معاملتها لتدوم العشرة.
ثانيا: لسنا مستنقعات راكدة يلفها ضباب التخلف والسكون، فكيف لأناس يملكون سيارات فارهة كما ادعيت (مرسيدس) ان يعيشوا في خيم في الصحراء.
ثالثا: نحن شعوب مسالمة ولسنا ساذجة فتشبيهنا بالجمال تشبيه بليغ فيه نوع من التهكم.
الايرلندي: هل فعلا نسبة الأمية لديكم وصلت الى 65% حسب احصائية الأمم المتحدة وهل فعلا نسبة تجارتكم تعد 1% اذا استبعدنا صادرات البترول من دول الخليج، لو كان هذا الكلام صحيحا فكم ستحتاجون لعقود أو ربما لقرون لحسم بعض القضايا العالقة كالديموقراطية والمدنية بدلا من مبارزاتكم الكلامية التي اهدرت أطنانا من الأوراق منذ أمد بعيد، وسينتهي بكم الحال الى انتاج رقائق البطاطا وليس رقائق الحاسوب.
أنا: أولا: احصائيات الأمم المتحدة يسطرها ناشطون سياسيون ليسوا أكاديميين وقد تجاهلت اثر دور التدخل الاستعماري علينا وما ينطبق من معايير التقدم في الغرب لا ينطبق علينا. ثانيا: نحن كعرب وضعنا الخطوط العريضة للتاريخ، ولكن أنتم من طورها واستخدمها خير استخدام. ثالثا: اتفق معك في نقطة واحدة وهي عجزنا عن تكوين ثقافة مستقلة لأننا تعرضنا لاستعمار عسكري وثقافي واقتصادي فأصبحت ثقافتنا وكأنها جاءت على ساق بلا قدم.
الايرلندي: قد اقتربنا من الوصول وبهذه المناسبة أود ان أسألك عن المطارات العربية، لماذا يسمح في مطارات الدول العربية لكل ما هو محظور بالعبور هل بسبب الرشوة أو الجاه الاجتماعي أو الموقع الوظيفي؟ لماذا يعتقد هؤلاء ان الطائرة قد تسقط لأنها ليست حصانا من حديد وقد تسقط بسبب مادة متفجرة وما الى ذلك؟
أنا: أولا: لا تخلط الزيت بالماء، فنحن لسنا مجتمعا ملائكيا، بل أرى اننا نريد احقاق الحق ونصرة المظلوم، انتم كذلك لا تخلون من اختراق القانون فالعديد من ولاياتكم وبلدانكم بها تمييز عنصري وتفرقة بغيضة ونلحظ ذلك من خلال الانتفاع بالمرافق العامة وفي أروقة المحاكم تختلف العقوبة ان كان الشخص أوروبيا أو افريقيا أو ملونا، فالقانون لديكم هو آلة موسيقية أو أي شيء آخر فكياناتكم أقوى وأشد نفوذا وأغلب الأحيان يصبح القانون وراءكم لأسباب أقرب ما تكون الى العلاقات الرعوية والنسيج البدائي وكوني محاميا أحبذ وأنصح بان يتدخل المشتغلون بحقل الحقوق والقوانين لانقاذكم مما تجهلون فالقانون ليس وثنا يعبد وان احترامه ليس لصياغة لغوية أو دستورية فاحترامه يأتي من دوافع ذاتية يدرأ بها المرء اضرارا قبل وقوعها.
أخيرا اتفقنا انا وهذا الصحافي الايرلندي على هذه المقولة: «مائة دماغ خاوية لا تساوي عقلا واحدا».