مثلما هناك محبوبة الجماهير والملكة وفنانة العرب ومطربة الخليج وغيرها من الألقاب التافهة التي تتصدر صور ممثلين، خرجت لنا فئة شبيهة مغرمة بالألقاب، من التافهين أيضا ولكن من معشر الكتاب والروائيين، بألقاب تمنحهم الافضلية على غيرهم في ذات المجال، ويتبجحون بالترويج لألقاب منحوها بعضهم بعضا، وهم مجموعة تنشط في وسائل التواصل، يوعزون لمتابعيهم ومعجبيهم بنشر ما يريدون وتداوله ليصبح حقيقة بين الناس عبر آلية الغش الممنهج بادعاء التميز بحثا عن شهرة وهمية ويصدقونها!
إنها قصص البلاط والتتويج، يبدو أنها تسيل لعاب من ينقصهم الثقة بالكفاءة والإبداع مثل العينة التي أتحدث عنها هنا، فماذا يفعل أحدهم ليحقق أغراضه؟
ينشئ المريض مجموعة من الحسابات في منصات التواصل المختلفة بأسماء مستعارة ويطلق على نفسه لقبا من كل حساب منفردا ويبدأ بإخراج سيناريو يربط به المتابعين بتلك المعرفات المستعارة ليروج لقبه الذي انتقاه: الكاتب الذي غير الرؤية للرواية العربية، كاتبة الجيل، مثقف في الزمن الخطأ...، وغيرها من الألقاب الدرامية المضحكة المبكية!
ثم يأتي كنتيجة فيلم الأتباع فيصور نفسه بنفسه، هلم أيها المعجب في فيسبوك وأنستغرام والمتابع بتويتر وكلهم «بدرجة خادم» إلى إرضاء الكاتب الذي يعاني من حب العظمة، الذي يرى معجبيه أتباعا ينشرون كلامه ويمتدحونه بلا كيل، فتنتشر الألقاب ويتحقق انتفاخ الذات، ولكن: قوانين البالونات تؤكد انفجارها كلما زاد حجم الغازات عن مساحة البالونة، فيأتي لا شك مشهد تناثر القاذورات الفكرية من عقل المجانين بالشهرة والألقاب عند محك القضايا الكبرى على المستوى الأدبي والسياسي والمجتمعي والديني والقيمي وحتى الشخصي، فكم من خلافات بين أزواج نشروا غسيلهم في «سناب» وتبادلوا السباب واتهم كل منهم الآخر في عرضه، ويدعون أنهم مؤثرون وللأسف هم كذلك ولكن سلبا!
الأديب والكاتب والمثقف ليسوا بمنأى عن الأمراض البشرية مثل حب الظهور والشهرة والسلطة والمال، ولا عن أمراض الحاجة للبروز للحصول على فوائد كالمنصب والتقرب من متخذي القرار، وهو انعكاس لبيئته الشخصية ولمجتمعه القريب أيضا.
إن من يتربى في أسرة تعزز لدى ابنائها احترام النفس والآخرين، والتواضع وخفض الجناح تأدبا وثقة لا تذللا وطأطأة، بالتأكيد لديه تقدير ذاتي كاف ليعيش برأس متزن على كتفيه، ولا ترفع الألقاب أنفه ولا يمرغه عدمها!
كتبت لكم هذه السطور وأنا في عزلة إجبارية بسبب الحمى، جلست أراقب فيها اطروحات مجموعة من الكتاب والمثقفين والذين لديهم متابعون كثر في «السوشيال ميديا»، ما هذا يا رب؟!
لا فكر ولا فكرة، لا قضية ولا طرح، لا قيم ولا مبادئ، اقتباسات وسرقات لمقولات آخرين، وفوق تدني طرحهم لا يلقون السمع لمتابع إلا من أصحاب الأرقام الكبيرة، يعني «حشف وسوء كيلة!».
أقول ان 90% من الذين ينشرون الروايات ويبيعون بكثرة ومنهم من رشحت أعماله لجوائز ناهيك عمن فازوا، ومن لديهم أجنحة في معرض الكتاب، ومن يستضافون للحديث، بلا استثناء أغلبهم لا يوجد لديهم إلا بضاعة مزجاة، تكرار ومجاملات وتسويق 9 من 10 للعمل بينما جودته لا تتعدى 1 من 10.
محزن جدا أن طبقة يفترض أن تشكل نخبا في بلاط الأدب والثقافة والإعلام المكتوب، والتي في مختلف القرون هي المتكأ لتوثيق التاريخ مجرد «أراغوزات» في سناب شات، وبائعي إعلانات لأسواق شعبية ومطاعم، وتركوا هيبة وسمت المثقف من أجل دراهم معدودة، ومعجبين بأسماء وهمية يكيلون لهم المدح والغزل، يا للعار!
هل هؤلاء الذين نتوقع منهم كتابة تاريخ الأمة؟ أم أن حقبتنا تستحق أن يؤرخ لها المرتزقة وسقط القوم؟!
kholoudalkhames@