أغبط «البدوي» الذي يسكن الخيمة في أقاصي الصحراء لديه بئر ماء يزعب منها قدر حاجته وماشيته، لديه عنز يحلبها للإفطار أو يشويها للغداء والعشاء وينام بلا عقاقير تساعده على فعل طبيعي حال قلق المدينة بينه وبين سكانها.
أغبط «البدوية» على الفراغ الذي تسافر فيه عيناها لا يوقفهما بناء ولا يحدهما سقف، ليت لي أذنيها حيث لا تلوث يحول بينهما وبين صوت أنفاس السماء ليلا وتسبيحات الهواء فجرا ورجع صدى صوتها عندما تنادي.
ليت هذه العزلة الجميلة متاحة لمن شاء بلا تعقيدات.
أشعر بأن المكان مثل السجن، أي حيز يجبرك على البقاء في حدوده هو حبس يكبل حريتك في السير في أرض الله إلى أن تتوقف بفعل الإرهاق والحاجة «لزوادة»، وكذلك العام الجديد محصور في صفحات «الرزنامة»: مربع صغير بعدد أيامه وأرقام فقط، لا أعلم كيف يكون «عامنا سعيدا» وهو مجرد ورق بارد ورقم يحملق يذكرك بيوم انتهى وآخر سينتهي من عمرك؟
هل قدت سيارتك وأنت ساه فأوصلتك إلى منزلك أو عملك؟ هكذا حالنا مع الأيام، نجتر أعمارنا بالاحتفال بمرورها ونتجاهل أننا في كل احتفال نقترب من الرحيل، من الموعد الأخير، من النزول من ركب الحياة، من قافلة لن تلتفت لتلويحك عندما تغادرها، هذا هو العد العكسي لاستقبال عام جديد: 10 – 9...... إلى أن تبلغ الصفر وتنطلق الألعاب النارية والهتافات فرحا بانقضاء أيامك وبموت يتربص.
مادمت في سيرة الموت سأحكي لكم عما قرأته في صحيفة، أو شاهدته لأكون أكثر دقة.
صور التقطتها فتيات يتبعهن الملايين يعرضن أنفسهن في معاطف الحمام، أجلّكم الله وأكرمكم من الحمام ومن دناءة المشهد العام، بل وفي مغاطس الحمام.
لن أضع علامة تعجب في نهايات الجمل، لقد ملت هذه العلامة من فرط ما استخدمتها، ولنتفق أني في حالة تعجب دائمة من أوضاعنا عامة، ومما آلت إليه تجارة الأجساد التي تفخر بها فتياتنا بشكل خاص.
صور غريبة، هذه تجلس على السرير لفندق باذخ لم تحلم حتى أن تكون «هاوس كيبر» فيه، وتأكل إفطارها مرتدية «روب الحمام» فقط، أهو نوع من الترويج لما داخل «الروب»؟ وإلا ما غرضه أصلا ليظهر في الصورة؟ ولكن للأمانة كان «الكرواسون» شهيا ويستحق التصوير.
وتلك تخرج رأسها ويديها من البانيو منبطحة على طرفه باستسلام ذبيحة، ولك أن تتخيل ماذا بداخل البانيو من «قرف» رخيص مشاع لكل عين جائعة وشهوة هائجة، وتنظر للكاميرا أو لمن خلف الكاميرا بكل أدوات النداء الصامتة «هيت لك».
عن فتاة «روب الحمام» أو «البانيو» أو التي «تتمكيج» لتعلم الأخريات كيف يتزين أو كما يسمونه: «تيتوريال» وترسل بإغراء نظراتها للمشاهدين، كم أتساءل: أيخطر لها الموت؟ أتراودها التوبة؟ الآخرة في حسابها؟ أم نحن متخلفون ونهذي؟
الآن لو زارتنا «البدوية» بحشمتها وبرقعها وهيبة كحلها الأسود الرصين، ورأت «أم روب وبانيو» ماذا سنقول لها؟ كيف نبرر أننا صمتنا عندما حرفت نسوة المدينة كتاب الشرف المقدس مقابل دراهم معدودة وأضغاث شهرة وسلطة؟
هل ستأتي «البدوية»؟
kholoudalkhames@