عندما انتشرت «هبّة» خلع الحجاب بين أخوات وصديقات كنّ في الطريق إلى الله أغلب مراحل أعمارهن، صمتُّ.
كان صمتي لأكثر من سبب، الأول: رافق يقيني بأن الدين النصيحة أن توقيتها أيضا من أسباب الدفاع عن القيم والتشريعات الدينية.
الثاني: أن الأسباب مختلفة عند كل واحدة منهن، والنقاش لايزيد القناعة في ممارسة الدين، رغم الإيمان بتعاليمه، ويزيد الشقاق في الأخوة بيننا الأمر الذي يقضي على فرص القرب والبقاء في دائرة العلاقة التي تسمح بالحوار، أو لنقل ليبقى الود وحفظ «العشرة» كقيمة إنسانية وأخلاقية.
ثالثا: أنني لست بأفضل منهن لأنني محجبة، نعم، فانتقاد سلوك الآخر خصوصا مع ارتداء جبة وعمامة أو عباءة و«ملفع» ستتهم الدين عبر نماذجه بأنه يهاجم الحرية والقرار الفردي والتخيير المتاح من الله لكل إنسان حيث حجية الحساب منوطة بالاختيار.
رابعا: أحتاج لتسمية السلوك قبل الخوض في أي شي ديني ودنيوي، هل خلع الحجاب ظاهرة؟ أم سلوكيات فردية لها أسبابها الاجتماعية والتي تبقى محصورة في فردية التفكير؟
والوصف الأهم بالنسبة لي والذي تدور حوله مسألة نزع البعض للحجاب ربطه بـ«الردة النفسية» التي تلجأ إليها بعض النساء كرد فعل على الضغط العائلي أو الاجتماعي أو السياسي للدولة أو غيرهم أو كلهم، مما يجعل المرأة بمواجهة تكفير مباشر وغير مباشر مما يؤدي إلى انفلات الرسن الذي يكبح جموح الهوى لديها، فتغرق باتباع الرغبات والملذات وينفتح باب هو أقرب للفتنة منه للصلاح والهداية فتنتصر الغواية.
بعد أن بحثت في المسألة وجدت أن «حجاب المرأة» كمبدأ وقيمة وسلوك، موجود في الأديان السماوية، وموجود في المجتمعات القديمة كستر وشرف وتكريم للمرأة، الآن لن نتناقش في تفاصيل الوجود المجتمعي للحجاب فسنختلف عليها بالضرورة لاختلاف المعطيات وعدم ثبات المحددات كشرط لأي مبحث علمي، ولكن أقول ما توصلت إليه أن السلوك تدعمه الأديان السماوية جميعا، ونزعه ووضعه يبقيان في دائرة القرار الفردي الشخصي وهو ضمن الحرية التي منحها الشرع في الاختيار ليكون الجزاء والثواب منطقيا وذا معنى.
كما أنكر على من يكفّر من تنزع الحجاب، فالكفر تكفير المسلم الذي لم يعلن كفره، ومن الجهل أن يقوم بذلك العوام، والأشد جهلا أن يفعله بعض المشايخ والعلماء المتعصبين لمذهب واحد من المذاهب الأربعة ويريدون فرضه على الجميع، بل لاحظت أن طلبة الإمام صاحب المذهب يفسّقون بعضهم البعض ويحرضون ضد بعضهم البعض فقط تعصبا لفتوى قد تصيب أو تخطئ وقد تختلف مائة وثمانين درجة بناء على الزمان والمكان والمستفتي، وكذلك فقه الضرورات والمحظورات والمصالح والمفاسد، ومصطلحات سيغرق فيها العامي والنتيجة أن يبغض الدين بسبب هؤلاء الذين ينفرون ولا يبشرون ويعسرون ولا ييسرون.
النتيجة التي علينا أن نفهمها وإن لم نتفهمها أن المسؤولية سبب الحساب، لذلك العاقل مسؤول والمجنون غير مكلف، وأن أصول الدين الإسلامي والتشريع ثابتة لا تتغير، بينما الفتاوى الفقهية لها معطيات لو استطاع الكثيرون إحصاءها لوجدنا في كل زاوية في زقاق كرسيا للإفتاء.
فارحمونا من الجهل أرجوكم، واتركوا التي نزعت حجابها لرب أعلم بنيتها سيردها إن وجد فيها خيرا أو تلقى وبال قرارها يوم الحساب.
شخصيا أرى أن الحجاب هو الركن السادس في الإسلام ويختص بالمرأة، هذه مكانته عندي، ولكن هل أقدر أن أفرض هذه القناعة على كل النساء؟ لا. فالمؤيد من السماء قيل له إنك لا تهدي من أحببت.
وهذا المقال ليس أخيرا وللحديث بقية.
kholoudalkhames@