إحدى هواياتي قضاء الصيف في الكويت، أو لنقل إن لي رأيا أن الصيف لا يعني بالضرورة الإجازة، تعديل على فكرة العطلة حتى لا تنحصر بزمان محدد فعندما نحب أن نغير الوقت لن نضطر لإقناع برمجتنا!
أيضا مكان قضاء الإجازة من الصحي أن يتغير باستمرار، بعض الأماكن تحدث فيها مواقف سلبية ترتبط بالذاكرة ولا يجلب تكرارها إلا استدعاء مشاعر نحن في غنى عنها، فعن نفسي ضد «الاحتفال» بالسنويات ذات الذكريات السيئة، أما النتائج الإيجابية من تغيير أماكن فحتى تبديل موقع جلوسك في الأريكة نفسها يحدث فرقا، جرب!
ولكن عندما كنت في ظل قرارات العائلة، لا حرمنا ظلالها، كانت العطلة مرتبطة بإجازات المدارس، نسافر في الصيف لشهور، تسبقنا السيارات، محملة بشوالات «الرز والماش والعدس» وغيرهم، كل هذا يسافر قبلنا برا إلى لبنان حتى الحرب الأهلية 76، تحولت الوجهة إلى أوروبا، المملكة المتحدة وكما يطلق عليها الكويتيون «لندن»، ثم إلى الريفيرا الفرنسية وهكذا كل عام حتى كبرنا واستقللنا بقرار الإجازة والعطلة والسفر، وصاحب ذلك بالطبع دفع مصاريف «القرار».
في الفقرة السابقة ليس استعراضا سياحيا، بل لأقول إن القرارات وإن كانت ملكية الأثر ما لم يكن لك صوت فيها هي عبودية ترتدي التاج، وأن الأماكن لو كانت جنان الله في الأرض مع فرضها عليك وتكرارها ستمل منها.
عندما صرت أماً تمردت على الدول التي تشبعت منها قبل الزواج، غيّرت جهات وأوقات ومدد عطلاتي، وقسمت إجازتي إلى إجازات متعددة طوال العام، ما تعلمته عن نفسي أنني لا أحب السفر لمدد طويلة، ولا أحب ضوضاء المدن، ولا أحب السفر مع مجموعات كبيرة أو شركات سياحية، ولا أحب التنقل والتجول في كل زاوية في الدولة، أسواق ومتاحف وحدائق حيوان وسفاري وصيد وركوب يخت، وكأن ذلك واجب علي أن أنهيه وإلا أرسب!
وكل ما سبق كان في رحلاتي مع العائلة في صغري، لذلك بالرغم من أن كل شيء كان مثاليا، لم أكن سعيدة في تلك السفرات!
في عمر القرارات الخاصة، وهو بعد الثلاثين والأمومة، صرت سيدة القرار، يا لها من رحلة من ثلاثة عقود كنت مراقبة لكيفية قضاء إجازاتي، وكأنني عضو غير فاعل في مؤسسة ما، ولكن هل كانت تلك الفترة كما كنت أراها بالفعل عبودية وتبعية وفرض آراء؟
رغم كل تذمري على تلك الحقبة، وجدت أن سفري مع عائلتي الصغيرة، أبنائي، عبارة عن تطبيق لما تعلمته من تلك السفرات، التنظيم، الإنفاق، المواصلات، التركيز على الأماكن التي يزورها السائح، إعداد جداول زمنية ومكانية، وكثير من الفوائد.
أما الذي تجنبته فرض نفس الدول على أبنائي في كل عطلة، تحديد الإجازة بعطل المدارس، طول فترة السفر، إبعادهم عن المسؤولية في المطارات وعبور نقاط التفتيش ومراقبة جوازات السفر، لقد تعلمت الكثير من رحلات الأسرة، ولكن أضفت نكهتي الخاصة، الشورى وتوزيع المهام واحترام حق كل منا في ممارسة وزيارة الأماكن التي يحبها، أبنائي يذهبون معي إلى المكتبات والمتاحف حتى إن كانوا لا يحبونها ولكنها جزء من حقوقي في السفر، وأنا أذهب معهم «للسفاري» الذي لا أحبه ولكنه جزء من واجباتي تجاه الأسرة.
الزمن والوقت والعمر يعلمنا الكثير، وأهمه أن الماضي فيه الخير الكثير، ولكن ينقصه ذر بهارات الحاضر ليصبح المستقبل مناسبا لمذاقك.
kholoudalkhames@