نعم احتلال عراقي، بالرغم من أنه تعارف بين الكويتيين بوصف «الغزو»، ولكن لأنها صفة فتح ونصر وعزة نستخدم «احتلالاً»، فما فعله العراق قيادة وجيشا وشعبا وحتى مناهجهم المدرسية هو احتلال.
لقد أشبعوا الشعب العراقي من التغذية المسممة عبر كتب التاريخ المزور، بأن الكويت تابعة للعراق، فأي نهيق يطالب الكويت بتغيير مسمى الاحتلال العراقي إلى صدامي سيواجه بصفعات وركل من الشعب الكويتي الذي سيحكي للأجيال أنه احتلال عراقي وسبقته تهديدات رؤسائه دعاة القومية بضم الكويت.
الأمر ليس خطأ شخصيا للمقبور صدام، إنما خطيئة دولة تنكر حق جارتها بالاستقلال، بل خطايا ارتكبها حكامها واحدا تلو الآخر، رغم اعتراف النظام الدولي بها كدولة، وحتى لا يفهم أنني أدعم النظام الدولي بإطلاقه، فأنا ضده وبقوة، لأنه غير عادل عامة ومع المسلمين خاصة، وأتمنى أن يتغير ليتضمن كلمة ورأي الدول الضعيفة والفقيرة ويكون فيه رأي للبلاد الإسلامية، ولكنه هو النظام القانوني القائم الذي تحتكم إليه الدول في الصلح والحرب، فمن السذاجة أن نجعل اعتداء دولة على أخرى سلوكا شخصيا للحاكم، بينما كل أدوات ومؤسسات الدولة نفذت هذا الاعتداء، ونقول إن إبادة الملايين هو خطأ هتلر!
هذا المقال الثامن والعشرون، ثمانية وعشرون عاما أكتب في كل ذكرى للاحتلال ولم يجف حبر قلمي أو تحتار ذاكرتي في سرد حدث جديد كل عام، أو ترى أحداثا مكررة من زوايا مختلفة، وينتظرون منا أن ننسى، لن يحدث أبدا، هل تنسى أمٌّ طفلها المولود ناقص النمو ومات لأن جند الاحتلال العراقي ألقوه من حاضنته ليسرقوها؟ لا، هل تنسى فتاة أنها اغتصبت من جندي عراقي وحملت سفاحا واضطرت للسفر هروبا لتلد وتترك الطفل لمصيره وتعود لتعيش مرفوعة الرأس ظاهرا وبعارٍ يقضمها نفسياً مدى الحياة؟ لا، هل ينسى شاب كيف عُذِّب وحُرق وخرقت عظامه بجهاز ثاقب هو وأصدقاؤه وأبناء الأحياء المجاورة فقط لأنهم رفعوا أعلام الكويت وصلوا في المساجد؟ لا، لن ينسى أحد الاحتلال العراقي للكويت.
وما سبق ليست حكايات من وحي الخيال، ثلاث قصص من عشرات نقلها لي ثقات شخصياً وأخرى أعرف أصحابها وعاصرت وجعهم وكيف أصابهم الخدر من فرط الألم.
أي شعب وأجياله المتعاقبة ينسى محتلاً سرق أرضاً وانتهك عرضاً؟ من ينسى زبانية بمسمى جيش نظامي وقطاع طرق برداء جيش شعبي؟ ما زالت أجيال ما تبقى من الهنود الحمر تذكر بعد قرون مَن سلخ رؤوسهم، وكوابيس مذبحة سربرينيتسا وسائد نوم البوسنيين، وغيرهم وغيرهم.
متيقنة أننا لن ننسى أن العراق عبث في أغلى ما يمتلك كل كويتي يوم الثاني من أغسطس 1990، وطننا الكويت، أما لمن يحاكم ذاكرتنا لأنها لا تنسى ولا تريد أن تنسى الاجتياح الغاشم أقول: عذراً، فقيمة الشرف تتفاوت من شعب لآخر.
kholoudalkhames@