الفنون بكل أشكالها، لها دور كبير في التقارب بين الشعوب، حيث إنها تتمتع بسمات إنسانية شاملة، سواء في الفنون التي تعتمد على البصر في تذوقها مثل التشكيل والرسم، أو التي تعتمد على السمع مثل الموسيقى، أو تلك التي تعتمد على البصر والسمع معا مثل المسرح، والسينما والدراما، وحتى التي تعتمد على القراءة أو السماع والمشاهدة مثل فنون الشعر والسرد.
فالفنون على اختلافها، لديها القدرة على أن تجمع الشعوب التي فرقتها المنازعات السياسية، والخلافات الضيقة، لتجدها - رغم ذلك - مجتمعة على حب مطرب ما أو عمل سينمائي أو مسرحي، هذا إن كانت هناك لغة مشتركة، وإن اختلفت اللغات فهناك فنون عالمية تجمعهم مثل الرسم والموسيقى.
ولقد كانت لي تجربة ثرية مع الفنون، خصوصا السينما، حينما كنت نائب رئيس نادي السينما، ولأنني كنت مقتنعة بأن الأعمال الفنية، خصوصا السينمائية لها دور كبير في تقريب الشعوب العربية بعضها ببعض، كما كانت فكرة الأعمال العربية المشتركة قريبة من وجداني، لذا حينما شاهدت الفنان العبقري أحمد بدير والمتميز حسن حسني ـ رحمه الله ـ بالصدفة خلال زيارتهما للكويت، في مقر نادي السينما، اختمرت فكرة العمل الفني المشترك لدي، وحينما عرضتها أنا وأعضاء مجلس الإدارة على رئيس النادي حسين الخوالد، أبدى تشجيعه لها.
وجاءت ثمرة ذلك بعد أكثر من عشر سنوات بفيلم سينمائي كويتي ـ مصري مشترك، شارك فيه من الكويت فنانون منهم طارق العلي ومحمد العجمي وغيرهما، بينما شارك من الجانب المصري عدد من الفنانين أبرزهم أحمد بدير وحسن حسني، وحمل الفيلم عنوان (هلو كايرو)، ورغم ضعف السيناريو قليلا، إلا أنه حقق أماني الشعوب، في خلق فن سينمائي عربي مشترك، يقرب الشعوب بعضها ببعض، بدلا من التنافر بفعل السياسات المفتعلة، كما يجدر الإشارة إلى أن تجربة الكويت في هذه الأعمال الفنية المشتركة ثرية وكثيرة.
ومع ذلك.. نتطلع إلى أعمال فنية مشتركة في مختلف مجالات الفنون، خصوصا مع مصر، بتاريخها العريق الممتد، وكذلك مع الدول العربية الشقيقة الأخرى، حتى مع دول أجنبية، وهذه المسألة المهمة، يجب أن ينتبه إليها المسؤولون عن الثقافة والفنون في الكويت، من خلال إفساح المجال لأعمال فنية مشتركة، تساهم في تبادل الخبرات وتقريب الشعوب، وتقديم أفكار جديدة ومبتكرة، تؤدي إلى تطوير الحياة وتجديدها، ومن ثم الحصول على رؤى ومقترحات، لها علاقة بالتقارب الإنساني بين العرب، الذين ينتمون لإرث ثقافي واحد، ولديهم لغة مشتركة، وعادات وتقاليد ومبادئ وقيم متشابهة.
فالفنون والثقافة تصلح ما أفسدته السياسة، كما يقال، ونحن نريد أن نكرس الجانب الذي يصلح، والابتعاد عن الجانب المفسد، من خلال تعزيز صلتنا بعضنا ببعض، من خلال إنتاج الأعمال المشتركة، خصوصا في مجال السينما، الذي يتابعه الجميع سواء المثقفون أو العاديون.
هذه رؤيتي فيما يتعلق بالأعمال الفنية المشتركة، تلك التي تسهم بشكل خلاق في التقارب، بالإضافة إلى ما تتميز به من تنوع في الأداء والأفكار، وتفاعل بناء بين مختلف أطياف المجتمعات.