لا ريب أن الاغتراف من معين الكتاب الكريم، وأقوال رسولنا الأمين ـ لهما أبعد الأثر في الوقوف الحقيقي على طبيعة النفس البشرية، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك: 14].
وكيفية التعامل معها، فضلا عن النظرة الشمولية لحياة الفرد، بداية من أخذ الله الميثاق عليه في الأزل، ثم وجوده على الأرض في الحياة الدنيوية، ثم ما يتبعها من حياة برزخية، وأحداث يوم القيامة، ثم دار القرار: جنة الخلد، أو النار - أعاذنا منها الكريم الجبار.
هذا التناغم بين المصادر الإلهية والتجارب الحياتية ـ في إطار سلامة المعتقد، وشمولية النظرة للكون والحياة - جعل من علم إدارة الذات رائعة من روائع الحضارة الإسلامية، لا تجد لها مثيلا في الأمم الأخرى، حتى صار هذا العلم فنا إسلاميا باقتدار، ويكفي أن تتابع كتابات الأفذاذ، من أمثال ابن القيم، وابن الجوزي، وابن حبان، وغيرهم من المتأخرين، فضلا عن كتابات مشايخنا المعاصرين، حتى تدرك هذه اللمسات الإيمانية الفريدة التي تدلل على براعة علمائنا، ومن ذاق عرف.
دور الإيمان بالغيبيات في إيجابية حياة الفرد في الدنيا والآخرة، وأن قيم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر - كلها قيم دافعة لصلاح الذات، وهذا غيض من فيض، فالمقام لا يسمح باستقصاء كل مميزات علم إدارة الذات الإسلامي، لكن لا يغيب على كل فطن أهمية هذه المميزات في حياة الإنسان، وفي تفاعله المثمر مع خالقه وبارئه، بل ومع الكون كله.
إن الإيمان الحق بالله سبحانه وتعالى، أي الإيمان الراسخ في القلب رسوخ الجبال الشامخات، والذي يصدقه العمل الصالح، وليس الإيمان الذي يردده اللسان فقط ـ هذا الإيمان يجعل الإنسان المؤمن قويا في إرادته، لا تعجزه ولا توقفه العقبات والمشاكل التي تعترض طريقه في الحياة، بل ينظر إليها ويضعها في حجمها الطبيعي، ويوقن أبنه سيتغلب عليها، أو يتأقلم معها مادام التزم التوكل على الله ـ سبحانه ـ حق التوكل، وهذا التوكل ـ وليس التواكل ـ هو الدافع الحقيقي للفرد المؤمن نحو الشجاعة والإقدام، واقتحام المشاكل، وعدم التسويف الذي يورث في النفس الخوف من المجهول، والخوف من المستقبل.
[email protected]