من منا لم يصادف يوما شخصا يشتكي هما وألما؟ من منا لم يقض دقائق وربما ساعات ينصت الى صديق او قريب او ربما غريب صادفه في إحدى زوايا طريق الحياه وهو يبث كلماته المليئة بشكوى معينة، طالبا فقط من يستمع إليه ليشعر بأن هناك من يشاركه هذا الجانب من حياته، والأهم من كل هذا.. من منا لم يخض هو بنفسه احدى اللحظات المذكورة؟ خلق الله تعالى السعادة والحزن مقترنين بعضهما ببعض، كما هو حال الألم والأمل، الحياة والممات، النجاح والفشل.. الخ ليوصل للإنسان مفهوما ربانيا حياتيا مضمونه أن علاقات أصول المشاعر والأحاسيس والمعتقدات يتولد كل منها من رحم الآخر، وهذه سنة الحياة.
لذلك فعندما يكتب لنا القدر حتى فراق من أحببناهم واعتقدناهم سيستمرون أبدا في حياتنا كمساندين متضامنين، فهذا اعتقاد لا محالة وهمي نضعه نحن لأننا لن نقوى على تحمل معايشة فكرة الفراق.. فالقدر عندما سن لنا اللقاء على سطر قد خط لنا لحظة الفراق على السطر الذي يليه بذلك الحبر السري وهو علم الغيب حتى تأخذ العلاقات مداها بحلوها ومرها بغدوها وآصالها الى نهاية الطريق.
المكاسب والنعم واللحظات الجميلة في الحياة لا تعد ولا تحصى، وكذلك عزيزي القارئ وتحقيقا لنظرية الارتداد الانعكاسي لأقدارنا فإن الخسارة والخذلان والتراجع للخلف له نصيبه الكبير في حياة كل منا، انما إلى أي مدى سنسمح بتكالب ظروف الحياة علينا لتؤثر على مسيرتنا وتقدمنا؟ إلى أي حد سنبكي على أطلال أشخاص أو أشياء لم يعودوا موجودين؟ ألا تعلم بأن هذا الشعور الحزين أكثره اعتقاد وهمي بأن من حولك قد تغيروا عليك؟ هم حقيقة لم يتغيروا، بل انه أنت الذي لم ترهم على حقيقتهم الا مؤخرا.
إن النجاح الباهر الدائم يتطلب من الشخص أن تتوافر فيه سمات خاصة، وخبرات متنوعة، لا يمكن أن تتكون في الشخص إلا عبر معاناة الواقع، والاحتكاك الطويل به، وخوض الصراع مع المشكلات والعقبات، ومن ثم يكتسب الإنسان الصفات الإنسانية اللازمة للنجاح الدائم والتي من أهمها الصبر والإرادة والعزم والتصميم، أما أصحاب النجاح السهل الذي لم يأت عبر التعب والمعاناة فإنهم سرعان ما يصابون بالإخفاق والإحباط عند أول عقبة تهدد ما حققوه من نجاح، ومن ثم يتحول نجاحهم إلى فشل أو إخفاق ذريع.
وقديما قال العرب: «الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك».
اذن، كن كصاحب السهم القناص، الذي يركز بشدة على هدفه ليصيبه بدقه ونجاح فيضطر الى ارتداد السهم وسحبه للخلف كجاهزية لطاقة الوضع الكامنة فيه بأقصى درجاتها.
كن أنت هذا السهم المرتد، واخترق كل المعوقات والسدود بدقة وثبات وقوة، ولا تلتفت يمنة ويسرة، فإن الله تعالى يحب المؤمن الواثق الثابت المقدام الهمام، وأنت مثل ذلك وأكثر.