كثيرا ما نسمع أن الفرص الحقيقية تأتي للإنسان مرة واحدة في الحياه لذلك فأغلبهم لا يستوعبونها فتذهب أدراج الرياح لغيرهم، وسمعنا أيضا عن كثيرين ممن أدركوها فاستغلوها خيرا فتنعموا بثمارها، إن الحديث عن الفرص لممتع وجذاب، فنحن نعرف «انتهاز الفرص» وهي من صفات النابهين وأصحاب الهمم العلية، وصفة رئيسية عند المؤمن الصادق، والمجاهد الغطريف، والعالم والعابد، وغيرهم من أهل الصلاح والإصلاح بينما «تضييع الفرص» من مخايل الضعف، والشقاء والغباء، وقلة الحيلة وصلف الحياة، وعلامة على خذلان الله للعبد.
إنما في هذا المقال أحب أن أتناول جانبا آخر من الموضوع، أريد أن أحدثكم عن فن قديم وجديد، قديم لكثرة العارفين والمدعين، وجديد لأن من يطرقه عبر العصور قليل، حتى كأنه صار جديدا من قلة السالكين، إنه فن «صناعة الفرص» فالموفقون قد يستغلون الفرص ولكن العباقرة القادة الملهمين هم من يصنعونها لأنفهم ولغيرهم دون الشعور بأي غضاضة، فهم لا يتكئون راحة ينتظرون الفرص بل يبحثون عنها فإن لم يجدوها صنعوها وفق تطلعاتهم.
انتهاز الفرص خصلة فضيلة، وصناعتها هي صناعة أصحاب الفضائل، ولذلك كثير من الناس يحب الخير ولكنه لا يبحث عنه، يحب الأمر بالمعروف ولكنه لا يكلف نفسه البحث عن معروف فينشره أو منكر فيطويه، يحب نصرة الإسلام لكنه ينتظر من يوجهه ويرشده إلى ثغرة أو إلى فرض واجب.
أما «صناع الفرص» فهم كصناع الحياة يصنعون حياة ونمطا فريدا، ويشقون طريقا جديدا لم يسلك مدارجه سالك، ولم يخبر عنه خبير وعارف.
إن «صناع الفرص» يفتحون لنا آفاقا فسيحة، ويخرمون لنا في جدار اليأس كوة، يرفعون ما خفضت عزائم الكسالى، ويضعون ما رفعت أوهام الفارغين، يصنعون من الشعرة حبلا، ومن الطفل الصغير ماردا عملاقا، ويضخون في عروق الجبان دماء الشجعان، ويبنون فوق سطح الماء قلعة، لا يحتقرون أحدا ولا يحقرون معروفا، فعالهم يكتبها التاريخ، وتخلدها الجغرافيا، وإن قالوا صدقوا، وخاف من قولهم الأعداء، وفرح بصدقهم الأقرباء، يعاش في أكنافهم، ويفرح بلقائهم، وتحيا القلوب بذكرهم، وتموت الخرافات تحت سيوف آرائهم وعزائمهم، إن تكلمت جعلوا من كلامك دررا وقلائد، وإن أنصت غنمت أفكارا جديدة وأعمارا - إلى عمرك - مديدة.
تجاربهم ثروة، ومعينهم لا ينضب، يستنبعون القدرات والإمكانات من كل نفس وعقل وروح، ويفتحون لك صفحة للحياة جديدة، ويبدعون لك كل يوم مشروعا، شعارهم: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).