نظّم الإسلام حقوق العمال ووازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فتحدث بشكل مفصل عن ضرورة العمل عند القدرة عليه، لأنه المعيار للتقدم والتطور لكل مجتمع متمدن، وعلى الدولة توفير العمل لجميع ابنائه، فهو العلاج الوحيد من البطالة التي تضرب بثقلها آخذة الجيل الى مكان لا يرغب في الذهاب اليه طوعا.
كذلك نظم الاسلام عقد العمل وجعله الاصل في ان ينفذ الطرفان ما اتفقا عليه دون اخلال، فقد قال الله في كتابه العزبز: (يأيها الذين امنوا أوفوا بالعقود) فإذا كان الباري أوصى بالعقود، فكيف بعبده ان يخلفه؟ ومن ذلك يتضح ان عقد العمل ومدته وتحديد الأجر أمر يحاسب عليه الانسان في حال الاخلال يوم الحساب فلا يجوز حبس الاجر للعامل مهما كان السبب لأنه أمانة عند صاحب العمل، فالاسلام يحذر من حبس الاجر، ولذلك روى البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه انه نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره».
اي ان كل من يحبس اجر عامل فهو خصم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
كذلك لابد من إعطاء العامل الحق في الراحة، فهي من مبادئ الإسلام التي أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت من أوصافه الحميدة، ألم يوصف بأنه كان ينزل الاصر والأغلال؟! كذلك قال الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، ويستنتج من ذلك ان الاسلام قام على مبادئ اليسر، فلا يكلف العامل الا بما تحمل، ولا ينبغي ان يعمل لساعات اطول من طاقته، فمن حقه ان يستريح بين الحين والآخر لكي يجدد نشاطه.
وإذا كان للعمال حقوق، فعليهم واجبات، فكل حق يقابله واجب، ومن واجباتهم الامانة، فقد قال الله في كتابه العزيز: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)، وفي هذا الموضوع لا يقتصر الامر على حد الامانة بل يتعداه الى كتمان الأسرار، ولذلك روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال في هذا الموضوع: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع».
واستنادا الى ما تقدم فإن الأمانة في العمل امر مطلوب فهي سمة بارزة من سمات الإنسان الخلوق الذي يؤدي عمله بكل ضمير، وهذا ما يدفعه الى عدم التفرد بالقرار بل الى التناصح والتشاور، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
وعلى الانسان الخبير المتعقل ان يشاور قبل ان يتخذ القرار لأن في العمل الجماعي خير منفعة للفرد والمجتمع.
وفي الختام، فإنني أنتمي الى مهنة احترم عقول عامليها، وانحني الى مدرسيها، وأتشرف بالتقرب الى مخرجي عدالتها، الى المحامين والقضاة والخبراء، انصفوا العمال من مخالب من يخالف تعاليم الاسلام، فهم امانة في اعناقنا.
لا نريد يوما ان نكون اعداء الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بسبب حبس أجر عامل مسكين رفع يديه عند صلاة الفجر مستغيثا، دع عنك القانون في حقوق العامل، وتذكر ان تنصفه لان لديه اطفالا، اعط رأيك القانوني بتجرد وقل بكل ايمان إلا حقوق العمال، فإذا واجهت بكلمة الضد، فقل كلمتك وامش، وقدم استقالتك، لان الله لا ينسى عبدا استقال في سبيل ألا يكون خصما لنبيه، وإلا فستمشي على ورد تحته جمر يفصل بينهما ورق تشترى به ملذات الدنيا، سرعان ما تتلاشى كما يذهب كل شيء من على هذه البسيطة لتبقى في الختام إذا لم تناصر العامل الفقير صاحب الحق كما انت وتضع نفسك أينما تريد، فإما ان تكون خصما للرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا أهدرت حقوق العامل وتكون ملكا يتربع على ملذات الحياة، وإما نصيرا لحقوق العمال وتقول هذا عنقي لا يفصله عن جسدي إلا الباري، ويكفيني أن أكون نصيرا للرسول صلى الله عليه وسلم.
[email protected]