كثرت الدعاوى المتداولة أمام القضاء الكويتي والتي تدور رحاها حول موضوع التعويض عن الإصابات التي تحدث أثناء وبسبب العمل.
ونظرا إلى الإشكاليات المطروحة والضبابية التي رافقت بعض الأحكام، فقد اثرنا التصويب على ما نص عليه القانون الفرنسي مقارنة مع ما تضمنه قانون العمل الكويتي وخاصة فيما يتعلق بفكره اثناء وبسبب العمل.
وبعد التمحيص في الاطلاع على النصوص وجدنا ان القضاء قد اعتمد على رأي مرتكز على المفهوم الواسع من مناحيه وكان متشددا الى أقصى الحدود من ناحية أخرى.
فقانون العمل في القطاع الأهلي اشترط اجتماع عنصر المكان مع الزمان بمفهوم ضيق جدا وهذا من شأنه أن يجعل وسائل الإثبات ضيقة إلى أبعد الحدود بحيث يجعل من دور القاضي سلبيا بحتا ويقوده إلى السير نحو النظرية المقيدة في عملية إثبات الضرر الواقع على العامل بسبب وأثناء العمل وهذا ما يؤدي إلى أن يفلت رب العمل من التعويض على الرغم من الوقائع الموجودة والتي تشكل ركنا أساسيا يعتمد عليه في الحكم بالتعويض.
فمدلول بسبب العمل او مدلول أثناءه يجب أن يفسر بالمفهوم الواسع انطلاقا من النية نحو تعويض المتضرر.
وقد أبدينا رأينا في دراسات سابقة حول موضوع عقد العمل واشرنا الى انه لا بد من اعتماد مفهوم يقوم على أساس إحلال المعيار التشريعي مكان المعيار القضائي وليس العكس، اذ انه يكتفى الإثبات أثناء العمل فقط وهذا ما اخذ به القضاء الفرنسي خاصة انه قد طور من مضامين القواعد القانونية بعد التعديل اذ حلت كلمة بمناسبة العمل مكان عنصر المكان والزمان، وهذا التطور جميل بحد ذاته فقد فتح الباب امام القضاء واصبح لزاما التقيد بالنص، فكل حادث بمناسبة العمل ما عدا الاستثناء وهو خطأ العامل، واجب التعويض.
واثباتا على ذلك فقد قضى القضاء الفرنسي في حكم شهير على احد المطاعم بالتعويض على عامل لم يسجل وليس عنده التزام عقدي تجاه المطعم بل نص في حيثياته على انه يعتبر حادثا موجبا للتعويض مادام وقع داخل ملحقات ومكان العمل مادام العامل كان موجودا بفترة عمل مؤقتة اثناء التنظيف في عيد رأس السنة وقضى بالتعويض سواء وجد العامل داخل المكان او بعد الانتهاء من عمله سواء في فترة الراحة او مكان قريب من العمل او في المكان المخصص للسيارات او في الاروقة او غرف تبديل الملابس او غيرها، وباختصار فان القضاء الفرنسي انفتح على التعويض بعد التعديل وركز على عبارة مناسبة العمل وتحرر من مفهوم الركن الزمني ومفهوم الركن المكاني واشتراطه للعلاقة السببية بينهما.
وبعد صدور قانون العمل في القطاع الأهلي، ونظرا للنصوص التي شابها عيب قد تؤدي الى الطعن بعدم دستوريتها، كما بينا سابقا في مقالاتنا العديدة، فإننا ندعو المشرع الى تدارك النقص في هذا الموضوع الذي سوف يشكل مادة دسمة لملء الفراغ التشريعي فيما يتعلق بموضوع التعويض عن إصابات العمل والاكتفاء بموضوع توفر الشرطين بمفهوم واسع وإذ اننا لا نعني بذلك توافر احد هذين الشرطين ولكن توافرهما معا تحت مظلة بسبب العمل، أي يشمل الطريق ذهابا وايابا موقف السيارات وفترة الراحة بين الدوامين وغيرها وأخيرا كلمة القضاء يجب ان تكون تطبيق النص بالمفهوم الواسع والنظر الى مصلحة العامل في القطاع الأهلي وتدارك التضارب لان مصلحة العامل وحقوقه تبقى المعيار للحفاظ على الوطن والمجتمع.