كان هناك رجل كبير يرقد في المستشفى لهرم جسده، يزوره شاب كل يوم ويجلس معه لأكثر من ساعة يساعده على أكل طعامه والاغتسال ويأخذه في جولة بحديقة المستشفى ويساعده على الاستلقاء ويذهب بعد أن يطمئن عليه.
دخلت عليه الممرضة في أحد الأيام لتعطيه الدواء وتتفقد حاله وقالت له: «ما شاء الله يا حاج الله يخليلك ابنك وحفيدك يوميا يزورك، ما في أولاد بها الزمن مثلهم».
نظر إليها ولم ينطق وأغمض عينيه وقال لنفسه: «ليته كان أحد أبنائي» هذا اليتيم من الحي الذي كنا نسكن فيه، رأيته مرة يبكي عند باب المسجد بعدما توفي والده وهدأته واشتريت له الحلوى ولم أحتك به منذ ذلك الوقت.
ومنذ علم بوحدتي أنا وزوجتي يزورنا كل يوم ليتفقد أحوالنا، حتى وهن جسدي فأخذ زوجتي إلى منزله وجاء بي إلى المستشفى للعلاج.
وعندما كنت أسأله «لماذا يا ولدي تتكبد هذا العناء معنا؟» يبتسم ويقول: «مازال طعم الحلوى في فمي يا عمي».
والمغزى من هذه الحكاية، هو ترسيخ الفحوى وفهم العبرة للقارئ، وإن الوفاء من الأخلاق الكريمة والخلال الحميدة.
وما نشاهده اليوم على الساحة من أحداث تؤثر على الهوية الوطنية، لابد أن نتخلق بخلق الوفاء والفضل الجميل (للوطن)، فهو مهد الصبا ومدرج الخطا ومرتع الطفولة وملجأ الكهولة، حيث رسخ لنا الأمن والأمان والعيش الكريم، وتكفل لأبنائه مختلف الرعاية من تعليم وصحة وسكن...الخ، فحقا علينا أن نداريه ونحميه من كل شائعة مضرة وتغريدة مغرضة، ونكون صفا واحدا ضد كل تيار منحرف وفكر هدام، فهذا هو «الدين المستحق» الذي حل أجل وفائه، ووطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه، (ومازال طعم الحلوى في فمي يا وطني).
ونختم (زاويتنا) بقول الإمام الأصمعي (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه).. ودمتم ودام الوطن.
قال أبوالعتاهية:
وخير الكلام قليل الحروف
كثير القطوف بليغ الأثر