انتشر في أوساط برامج التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا فيديو يتحدث عن ظلم اللغة العربية للمرأة في خمسة أو ستة مواطن، ومع أننا في عصر يؤمن بالمرأة في كونها نصف المجتمع وأم النصف الآخر إلا أن انتشار الفيديو يؤكد حرص الرجال على تعزيز المعاني التي جاءت في الفيديو وكأنها ترضي غرورهم وتشفي غليلهم، وجاءت مواطن ظلم اللغة للمرأة حين وصفت الرجل الذي على قيد الحياة بأنه حي بينما المرأة حية، والحية معروف أنها الأفعى، وتنوعت مواطن الظلم الأخرى في أن الرجل قاض والمرأة قاضية والرجل نائب والمرأة نائبة والرجل هاو والمرأة هاوية وكل المعاني المؤنثة مرادفات للمصيبة أو النار نسأل الله العافية.
ومع انتشار هذا الفيديو وصلني رجاء خاص بالرد عليه لنصرة المرأة في هذا النزاع أو الجدل الذي دب على اختلاف برامج التواصل الاجتماعي التي تناولته، وفي محاولة وضع رد لتلك المشاكسة كتبت لهم.
قال الله تعالى: (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى).
سبحان الله، مع أن الله تعالى أقر لآدم عليه السلام ولحواء بأن إبليس عدو لهما.. (عدو لك ولزوجك)، وأن الخروج من الجنة كان لآدم وحواء (يخرجنكما) بصيغة المثنى، إلا أن الشقاء لم يكن إلا لآدم في لفظ (تشقى) دون ألف الاثنين.
أشقاه إبليس حتى في اللغة ليبحث عن معان تشفي غليله من حواء.. وكأنها عدو لدود..
فالمرأة مصيبة وإن كنت صائبة..
وتقضي بالحق حد أنها القاضية..
وتنوب لله وإن كنت نائبة..
وليست المرأة أفعى بل على قيد الحياة وتدوي بالرد عليكم
والحمد لله الذي هدانا سبل الكلام وفنونه وأعطاكم عبثه وجنونه. وكفى أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
انتهى الرد..
أحببت هذا الفيديو ليس لأنه يتهم المرأة فيما وصفها، بل لأنه مشاكسة لغوية خلقت روح الرغبة في بنات حواء لإيجاد رد في اللغة ينصف المرأة وهذا مؤشر نجاح لغوي للفيديو في كونه محفزا للبحث، فاللغة العربية واسعة في مفرداتها وألفاظها، وفي معانيها ومبانيها، تعطيك كلما بحثت وترويك كلما استقيت، وتظل اللغة العربية لغة محمد صلى الله عليه وسلم ولغة أهل الجنة، لغة الصوت والصورة والموسيقا والفن، لغة الإيحاء والأداء والتأثير، فمفردات العربية أربعون مليون كلمة جاءت تتسع في معانيها واشتقاقاتها.
وهذا الفيديو بمنزلة الرسالة للزملاء والزميلات معلمي ومعلمات اللغة العربية بل وحتى الآباء والأمهات اصنعوا من اللغة متعة تؤصل في المتعلمين حبها، واجعلوا منها هاجس التعلم، وافتحوا لها آفاق التطلع، إن مثل هذه المشاكسات تدفع لحب اللغة وتستحث الهمة نحو تعلمها والبحث فيها، استفزوا معارف الأجيال بتنمية الألفاظ، وأثروا حصيلتهم بالمرادفات وافسحوا للشعر والبلاغة وتذوق اللغة بابا من السعة تجعل من المتعة سبيل الحب ودافع البحث والتطلع والتعلم.
ففي جموع بعض الكلمات مثل جمع (حليب، حرباء، وحي، أذان، أخطبوط) وغيرها ما يثير شغفهم.
وفي الأبيات التي تقرأ من الجهتين ما يستفز اطلاعهم كما في قول الشاعر مودته تدوم لكل هول.. وهل كل مودته تدوم، وأيضا في جديد المعاني وغريبها ما يثري ويرضي ثقافة الأجيال ومحاولات تفسيرهم كما في أغرب أبيات المتنبي في قوله:
ألم ألم ألم ألم بدائه.. إن آن آن آن آن أوانه
فادعموا اللغة العربية بالتحديات واستفزوا تطلع الأبناء نحو جيل مثقف وواع بلغته ويؤصل الانتماء لها.
tfkeeer@