«السياسة لا تستنسخ» فالسياسة عملية خاضعة للظروف والمناخ العام وطبيعة الشعوب وتاريخها وثقافتها وما ينجح في بلد ليس بالضرورة نحاجه في بلد آخر وليست كل تجربة سياسية ناجحة في وقت ما تنجح الآن، وليس كل حراك ناجح في فترة ما ينجح الآن وليس كل موقف سياسي ناجح سابقا ينجح اليوم.
لكل من عاش فترة مجلس الأمة فبراير 2012 يدرك أنه مجلس استثنائي وجاء في ظروف استثنائية من إفرازات الربيع العربي والحراك السياسي من بعد مجلس 2009 والذي تمت فيه المطالبة بإسقاط رئيس الحكومة آنذاك سمو الشيخ ناصر المحمد وظهور رمزية وكاريزما لبعض الشخصيات السياسية ذات خطاب حاد وصدامي وارتفاع سقف المطالبات السياسية، لذا كان الحراك السياسي ضد الحكومة قاسيا ومندفعا وصداميا، وتكونت في هذه الفترة حركات الرفض السياسي المتمثلة بتجمعات شبابية سياسية وتجمعات ساحة الإرادة ومسيرات كرامة وطن واقتحام مجلس الأمة، وصاحب هذا الأمر قبول وتفاعل شعبي انسجاما مع المؤثرات الخارجية والداخلية.
وماذا كانت النتيجة لكل هذا الحراك؟ كانت النتيجة حل المجلس وبعد حل المجلس اشتدت وتيرة الحراك السياسي ممثلة بخطابات حادة أشهرها خطاب «كفى عبثا»، وتمت مقاطعة مجلس ديسمبر 2012 ومجلس 2013، وكما كان الحراك قاسيا تمت مجابهته بإجراءات من السلطة قاسية من سحب جناسٍ إلى أحكام قضائية بسبب خطاب «كفى عبثا» وترديد عبارة «لن نسمح لك» إلى أحكام بالسجن لبعض الرموز.
واليوم ومع انتعاش الحالة السياسية وشعور الناس بأهمية مجلس الأمة خاصة بعد فشل المجالس السابقة وانتشار الفساد المالي الذي وصل لسلب الاحتياطيات العامة واحتياط الأجيال والعبث بالصناديق السيادية والتهديد المستمر بأن الفشل الاقتصادي سيدفع من جيب المواطن ناهيك عن الفساد الإداري الذي استشرى في جسم الدولة وتوسع سلطة بعض المتنفذين على المقدرات، وبعد هذا كله جاء مجلس الأمة 2020 بروح المعارضة وبإنعاش لبقايا رموز معارضة 2012 خاصة أن الإقبال الشعبي للانتخابات كان كبيرا وكأنها رسالة شعبية من أجل الإصلاح.
وأراد البعض استنساخ تجربة مجلس 2012 لتكون صورة طبق الأصل من مجلس 2020 ولكن «السياسة لا تستنسخ»، فما كان في مجلس 2012 ليس شبيها بمجلس 2020 لا من حيث الرموز ولا من حيث التوقيت ولا الأجندة السياسية، كما أننا مع مجلس 2020 انتقلنا لعهد سياسي جديد، وبناء عليه يجب أن تكون هناك حركة تصحيحية للمعارضة ولخطابها السياسي، فالمعارضة في مجلس 2012 لا زالت تدفع ثمن حراكها بالأحكام القضائية لبعض الرموز الصادرة بحقهم أحكام قضائية.
ولعل أهم ما يجب أن يعيه النواب المندفعون في هذا المجلس أن سقف الديموقراطية بالكويت جدا منخفض، والصدام نتائجه ستكون قاسية، وأن الخروج عن الأطر القانونية والدستورية في الحراك نهايته قاسية وأن الشارع السياسي بالكويت عام 2012 ليس نفس الشارع اليوم، لذا يجب أن يتغير الخطاب ويجب فتح قنوات إصلاحية مع السلطة ويجب أن يفعّل دور مجلس الأمة كجهة رقابية رسمية ولا يكون التفاعل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي غير منضبط.
الناس ذهبت لصناديق الاقتراح لمجلس 2020 وتركت القبلية والطائفية وراء ظهرها ليس من أجل تحقيق انتصارات شخصية بل من أجل إيجاد مجلس يحافظ على المكتسبات الدستورية وإنقاذ البلد من حالة الفساد المنتشر كالسرطان.. ودمتم.