منذ أكثر من 15 عاما تقريبا كتبت مقالة بعنوان «الوداع الكبير»، وقد تساءل عدد من الأصدقاء وقتها عن المقصود من هذا العنوان، كما فسرها كل منهم حسب مزاجه ورؤيته، رغم أنني قصدت ما قصدته حينها.
لكن السؤال الذي لم يعد الأصدقاء طرحه علي بعد مضي كل هذه الأعوام هو هل تغير هذا المفهوم عندي، أو حتى بالنسبة لمن سألني عنه حينها وتفسيره لما رآه أو اعتقده.
وأنا قصدت ما قصدته يومها حيث كانت هناك عدة أمور وشجون تشغل بالي، لكن العالم كله تغير وهناك العديد من أشياء طارئة ومستجدة حدثت وتحدث حسب مجريات الحياة وتأثر الناس بها، وكما يقال «كل يغني على ليلاه» ويفسر الأشياء كما يشاء.
وأقول إن من حق الجميع إبداء ما يراه وفقا لمستوى تفكيره، لأن للأسماء أو العناوين معاني متعددة وتفاسير مختلفة، والمفردات تحمل المعاني على اختلافها سواء كانت بالفصحى أو العامية الدارجة، فلو قلنا «جمال الصحراء» فقد يفسرها البعض بالجمال المرتبط بالحسن والأناقة والرقة، أو جمال الوجه والعينين، وربما يقول آخرون أن المعنى «جمال الصحراء» بكسر الجيم ليفسرها بسفينة الصحراء أو البعير، كذلك «المصباح» فقد يكون مصباح الإنارة أو الكوكب، وأيضا «هدى» التي تعني الهداية إلى الإيمان وهناك أسماء لها كثير من المعاني التي تتلاقى وربما تختلف حسب موقعها من الكلام.
وحقيقة أن كلماتي تلك كانت ردا غامضا على من سألوني عن مغزى «الوداع الكبير» ولا أقول لهم سوى أن «المعنى في بطن الشاعر».
٭ الحياة عبارة عن مسرحية، وكلنا ممثلون فيها يؤدي كل منا الدور المرسوم له فيصفق له الجمهور وفق أدائه، فهناك من يحسن عمله وهناك آخرون مصيرهم الفشل والخذلان وذلك أتعس ما يمكن أن يكون في هذه المسرحية لمن لم يلق استحسان ورضى الجمهور أو المتفرجين ولا حتى أرضى نفسه لأن دوره لم يعجبه، أو لأنه لم يتقنه لسبب ما هو يعرفه أكثر من الآخرين.
معروف أن الحياة تجارب، والأيام كفيلة بتعليم الجاهل، لأنه كلما عشنا أكثر وعانينا أكثر كلما تعلمنا أكثر، ولكن لابد من أن نخطئ ونتعلم أن «ما يقع إلا الشاطر»، ومنا إلى كل «الشطار» الذين وقعوا ولم تفدهم تجارب الحياة، أقول إن حسن الظن وطيبة القلب والنية الصافية هي التي أوقعتكم، وحتى لو اختلف الكثيرون معنا بهذه الجزئية، وأنهم لم يستفيدوا من تجاربهم، أو لم تنفعهم عواطفهم لابد عليهم من وضع القلب والعاطفة نصب العين لنكون سالمين من مغبة الوقوع بأخطاء ناجمة عن طيبة القلب وحسن النية.
الحياة قصيرة جدا والعمر يمر بلمح البصر كالحلم، لذلك علينا ألا نعيش ضغوط الحياة وعلينا الابتعاد عما يعكر صفو الأيام ولنترك المشاحنة والخصام والحقد والكراهية بين الأهل والأحبة والأصدقاء فلا نعلم متى نغمض عيوننا ولا نفتحها ثانية وقت لا ينفع عتب ولا تحسر على ما فات، فلنعش حياتنا ونستمتع بلحظاتها الجميلة ولنكن واقعيين في تعاملنا فالأيام تمشي، والحياة قصيرة فلنتسامح مع بعضنا.
آخر الكلام..
كثيرة هي معاني الحياة ومؤثراتها كالوداع، العتب، الحب، العشرة، التقدير، الاحترام، وجميعها تحمل قيما يجب المحافظة عليها وتعكس طبيعة معدن الإنسان، والمعادن أنواع منها الغالي ومنها الرخيص، هناك اللامع وهناك المنطفئ، فكن غاليا لامعا.
ودمتم سالمين.
[email protected]