سألته: هل تعتقد يا دكتور أن الإنسان بعد وفاته يختلف عنده الزمن عن توقيتنا بالحياة الطبيعية وينتقل فيه بعد فترة من حياة البرزخ إلى توقيت يوم القيامة؟، حيث إن هناك من توفي من أيام سيدنا آدم، وهناك من سيتوفى بنهاية الكون، حسب ما أدرك أنه من غير المنطقي أن ينتظر من توفي منذ آدم وموسى توقيت البعث كمن مات في يوم القيامة لموعد الحساب؟ أعتقد أن الوقت سيختلف..
رد علي: يقولون الأولين.. فلان مات.. قامت قيامته، فالزمن مطاطي، فهو يختلف عنه في القمر وعنه بكوكب الزهراء عن الزمن في كوكبنا الأرض، فاليوم هناك يعادل أسبوعا هنا.. وهلم جرا، بالمقابل عندما تجلس مع فتاة حسناء تحبها تجد أن الوقت يجري بسرعة، بينما في الحزن أو عندما تقود سيارتك مسرعا وتجد فجأة حاجز الإصلاحات في الشارع يتوقف عندك الزمن وتتذكر شريط حياتك كله «في ثوان معدود» إلى أن توقف فرامل السيارة..
كنت أشاهده منذ الصغر في ديوان العم المرحوم محمد صقر المعوشرجي في الروضة، وفي السنوات الأخيرة من عمره في ديوان المرحوم برجس حمود البرجس بدعوة كريمة من ابنه الأخ العزيز م.ضاري البرجس، كان ينشر الفرح والبسمة فور وصوله وحين مغادرته، ويضيف العلم والمعلومة بلطف وأدب، وفيّ لأصدقائه وأهله وتلاميذه، سهل المعشر ومليء القبول وكريم العطاء وسخي بالعلم، يصل إليه من يقصده بكل سهولة ويسر، صديق للبسطاء وأيضا لكبار رجالات الدولة، تشرفت بتكريمه ضمن الحملة الوطنية لتكريم الكفاءات الوطنية (الكويت تقول شكرا) عام 2013 ومن يومها وأنا على علاقة روحية وطيدة معه، وأعد وأرسم حلم توثيق حياة هذا الرجل العالم الأديب المعلم الملهم الفلكي صاحب أهم رزنامة في الخليج العربي، والتي يتجاوز عمرها الـ 80 عاما، والذي لا نعلم عنه إلا القليل القليل، حيث تشرفت أيضا بالتعاون مع أخي العزيز الفلكي خالد الجمعان تلميذ د.صالح العجيري، ودعم وتنسيق من ابنه المرحوم جمال العجيري، وحفيده الأخ يوسف جمال العجيري، وابنته السيدة الكريمة آمال صالح العجيري.
في كتابة سيرته من عدة مراجع أهمها كتاب الشيخة د.سعاد الصباح «عابر المجرات.. د. صالح العجيري» التي أكرمتنا بالموافقة على الاستعانة به كمرجع..
شاهد الكويت في مختلف ظروفها، وهي صحراء قح وبيوت من طين، شاهد سور بيت جيرانهم يسقط، والصحون والكتب تطفح من مياه المطر وهو يبكي ويتلو الشهادة أثناء انهمار الأمطار في رمضان عام 1934م في سنة الهدامة الثانية، لم ينزل لعمق البحار كباقي زملائه بسبب حاجة والده له لمساعدته في تربية إخوانه، وعوضه عن ذلك بغرسه للعلم في ذهن صالح الذي كان يحبه ويفتح في مخيلته عوالم أخرى، من دافع الفضول ومن دافع اعرف عدوك ولأن العلم نور، ولأن صالح الطفل كان يخاف من الظواهر الطبيعية، بالمقابل عوض صالح الطفل الذي لم يكن يلعب «بالسكة» كباقي الأطفال بسبب مسؤولياته تجاه إخوانه وانشغاله في التعليم.. كان يعوض صالح اللعب بالمزاح داخل المدرسة مع زملائه ومعلميه، وأيضا في النشاط المسرحي.. ما ميزه عن غيره من الأطفال الآخرين.
وسألته أيضا: قرأت سيرتك الذاتية ووجدت أنك كنت عصاميا لدرجة أن الدولة لم تكن تدرك بأهمية ما تملكه من علم إلا بعد أن بنيت بمالك الخاص في أرض كنت تملكها وبمجهودك الشخصي أول مرصد فلكي في المنطقة يرصد إحداثيات مميزة لكوكب الأرض توافد إليه الفلكيون من أميركا وأوروبا ومن مختلف دول العالم، ومن ثم قامت الدولة ببناء مرصد العجيري، ورد علي بهدوء وتواضع: بالعكس الدولة أبدا ما قصرت بحقي فهي تقدرني حق التقدير وأنا راضٍ كل الرضا على تكريمهم الدائم لي، يكفي أنها منحتني أول شهادة دكتوراه فخرية من جامعة الكويت والتي لم تعط لأحد من قبلي، ولم يأخذها بعدي إلا الرئيس الأميركي جورج بوش بعد نحو 11 سنة من تكريمي.
.. قطع الحوار ليرد على اتصال هاتفي من سيدة متعففة تحتاج العون منه في كل شهر واقفة عند المنزل، ثم أقفل الهاتف ليخرج من جيبه مبلغا من المال، ويذهب بنفسه لها ليعطيها المبلغ ويعود ليكمل حديثه، في مشهد تكرر لأكثر من مرة خلال زياراتي له.
رغم إيماننا بالقضاء والقدر، ورغم أن هذا الرجل قد وافته المنية عن عمر تجاوز المائة عام إلا أن الحزن الشديد بقدر ما فقدنا من قيمة كبيرة جدا لا يمكن تقديرها بثمن، ولكن ما يواسينا ويبعث فينا الأمل هو أن مجموعة من الأخيار ورجالات الدولة قاموا بإنشاء (مركز العجيري العلمي) الذي قام بسواعد المحبين للراحل الكبير، ليكون حفيده يوسف جمال العجيري احد القائمين على المركز، امتدادا لمسيرته الكريمة.
> > >
المنطقة الحرة: رمـضان المقبل.. سيكون هلاله مــن دون وجــود د.صالح العجيري.
[email protected]