حضرت الأسبوع الماضي فيلما سينمائيا باسم official secrets يتناول قصة حقيقية لموظفة تعمل مترجمة بإحدى الجهات السرية التابعة للحكومة البريطانية، ويتم اتهامها بخيانة الدولة بعد أن سربت معلومات عن وجود شبهة أميركية لإضفاء الشرعية على قرار مشاركة الأمم المتحدة في الحرب على العراق عام 2003 إلى جانب أميركا وبريطانيا.
وفي أحد الحوارات يسألها المحقق: انت متهمة بخيانة «الأمانة»؟ ترد: أنا بالفعل أعمل لدى الحكومة التي هي تعمل لخدمة الشعب والحفاظ عليه، وأنا بالفعل سربت المعلومات من أجل المحافظة على «الأمانة» وهي الحفاظ على أرواح بريئة قد يهدرها قرار المشاركة في حرب غير شرعية يجب إيقافها.
حوار بمفهوم عال عن تحمل المسؤولية «كلكم راع»، فيلم جميل عن أهمية حق الشعوب في التعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار، ما نفتقده للأسف الشديد بعالم القمع العربي، ولعل ما يميز الكويت عن غيرها وجود مساحة الحرية التي يكفلها الدستور للتعبير عن الرأي، وانتقاد ما يستحق النقد، مع حق الرد للمنتقد، إلا أن قوانين المرئي والمسموع والصحف والجرائم الإلكترونية وقوانين الحسابات الوهمية، كلها إجراءات ضيقت على المواطن وقصقصت أجنحة الحرية الجميلة التي تميز الكويت وتراجعت مساحة الحريات فيها، الحرية التي تعتبر الشيء الجميل الوحيد المتبقي بعد تراجع الرياضة والفن والأدب والتنمية بالكويت لنفرح به أمام الآخرين، بل إن المضحك المبكي أن قوانين بلدنا، أصبحت قيدا في أيدينا تمنعنا حتى من الدفاع ضد من يتطاول على الكويت ورموزها، بالمقابل تسلّم من تأخذه الحمية تجاه الوطن ويرد بالمثل ليحاسب بالسجن أو الهجرة عن الوطن.. والأمثلة كثيرة.
تضييق مساحة الحريات يوسع دوائر الفساد في الدولة، ويحمي الفاسد من المساءلة ويقويه ويكبره لأنها ترعب المصلح وتحجبه عن قول الحق، إن من يدفع الدولة باتجاه التضييق على الحريات هو شخص فاسد لا يريد لصوت الإصلاح أن يعلو، بل لتعلو أصوات النفاق فقط، وهو ما حذر منه الراحل د.أحمد الربعي الذي كان خير مدافع عن ضرورة التمسك بحرية الرأي وعن حق الشعوب في التعبير، وعلى نفس النهج المخضرم الفاضل أحمد عبدالعزيز السعدون الذي يعتبر مدرسة عريقة في عالم السياسة وله بصمات مميزة في مختلف المراكز التي عمل بها، وبلا شك حاله كحال غيره من رجال الدولة بالكويت تتفق معه في مواقف وتختلف بأخرى، إلا أن هناك أمرين أكد فيهما على ثبات موقفه وعلى احترامه التام بما يؤمن به، حيث إنه مازال مستمرا بقراره مقاطعة الانتخابات، والآخر هو احترامه لحرية الرأي وعدم تقدمه برفع قضية على أي شخص اختلف معه أو قام بانتقاده بمختلف الوسائل كونه شخصية عامة، وشهادة حق يحترم أيضا سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، الذي يتحملنا ويتحمل كل يوم الانتقاد لشخصه أو على أداء الحكومة إلا أنه هو الآخر لم يتقدم برفع أي قضية رأي على أحد لإيمانه بحق المواطن في إبداء الرأي من دون تجريح أو إساءة وهو الأمر الذي يجب أن يتقبله أي شخصية عامة قبلت تحمل المسؤولية.
بأن تحترم الاختلاف بوجهات الرأي وتتحمل المساءلة والانتقاد.
[email protected]