هدّد الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس الهنود الحمر السكان الأصليين للقارة الأميركية بأنه سيسرق منهم القمر إذا لم يمنحوه الطعام والتموين الذي يكفي طاقمه للبقاء على قيد الحياة لكي يحتلوا لاحقاً منهم وطنهم ويطردوهم منه.
لم يصدّق الهنود الحمر أن كولومبوس قادر على تنفيذ تهديده، وكان الفلكيون الذين رافقوا كولومبوس قد أعلموه أن خسوفاً كاملاً سيحصل بعد أيام، فلما غاب القمر بالفعل جاء الهنود يتوسّلون كولومبوس لإعادته إليهم، بعد أن تعهّدوا بتنفيذ جميع أوامره حرفياً، وفي الليلة التالية عاد القمر مكتملاً معتقدين بأن كولومبوس هو من قام بإعادته إليهم!، ومنذ حصول تلك الحادثة ربح الهنود الحمر طقوسهم الاحتفالية بالقمر، ولكنهم خسروا قارة كاملة بثرواتها العملاقة!
قال الأديب الشاعر غازي القصيبي في أحد لقاءاته: لولا وجود اسرائيل كعدو في المنطقة لخلقنا عدوا بديلا! لكي نشغل الشعوب بهذا العدو عن الفساد الداخلي في بلداننا.
وبلا شك هذا المثال ليس دفاعاً عن اسرائيل ولكن لإيصال فكرة «صناعة الخوف» المتبعة في عالم السياسة والتي تعد أسهل الطرق والأقل كلفة لتمكين أصحاب السلطة من السيطرة على عقول الشعوب من خلال خلق عدو وهمي مع تضخيم حجمه وخطورته والادعاء بمحاربته ومحاربة الفساد، ولكنهم بالخفاء يجلسون سوياً مع «الفساد طال عمره» يداً بيد على طاولة المصالح المشتركة، ويقومون بتشريع قوانين فاسدة تحمي مصالحهم تحت مظلة القانون من خلال تشريعات فاسدة في مجلس الأمة!
ولا شك ان الفساد المحمي بالقانون أخطر أنواع الفساد، فكم من مسؤول هارب أو تمت براءته بسبب قصور أو فجوات في القانون. وكم من حالة غير مستحقة تم استثناؤها وأخليت من ميزان العدالة تحت اسم القانون والصلاحيات!
هم يريدون خلق حالة من الاحباط والاستسلام بقبول الوضع العام بالفساد في الدولة لتحقيق أجنداتهم الخاصة، ولكن هيهات: فالعاقل يعلم «ما يكتب في الصحف بانتقائهم: مثل ما يطفو على سطح البحر فقط.. السمك النافق الفاسد، ولكن العمق سليم، والواقع يخالف ما يتمنون، فأذرع المقص اقتربت من رقبة الفساد، والجيل القادم لن يرحم الفاسدين وسيدافع بكل قوته عن مكتسبات الوطن، الذي ليس فيه مكان لخائن أو فاسد أو جبان، لأن الأوطان تبنى على أكتاف الشرفاء الشجعان. يجب أن نصحو قبل فوات الأوان، قبل أن نتأخر أكثر عن ركب التنمية، ولنا في قصة كولومبوس والهنود الحمر الدرس والموعظة
[email protected]