أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
ولا قرار على زأر من الأسد
أبوقابوس المقصود بهذا البيت هو ملك العرب النعمان بن المنذر، وصاحبه شاعر البلاطين اللخمي والغساني النابغة الذبياني، والبيت ضمن أبيات يعتذر فيها إلى النعمان فهو يقول له: أخبرت أنك هددتني وتوعدتني وتهديدك لي لا تستقر معه نفسي ولا تطمئن هيبة منك فأنت في المهابة كهيبتي من زئير الأسد، فقد جعل النابغة النعمان كالأسد في الهيبة ونفس المرء لا تطيق ولا تسكن على زئيره وزمجرته، ومن قصة النابغة أن قوما وشوا فيه عند النعمان بما لم يفعله ولم يقله، فأراد منه أن يتثبت ولا يستعجل في الحكم عليه، لذلك قال بعد ذلك:
مهلا فداء لك الأقوام كلهم
وما أثمر من مال ومن ولد
وهنا فداه بالناس كلهم وبماله وما أثمر وبولده، ولعمري إن هذا لفداء عظيم، فقد توسل إليه طالبا العفو والرضا بالأقوام والمال والولد، وهذان البيتان ضمن معلقته التي تعد أفضل شعره وهي تسعة وأربعون بيتا، وقد دس النابغة أبياته مع قينة فغنت بها النعمان وما ان سمع الشعر حتى أقسم بالله انه شعر النابغة فسأل عنه فأخبر بمكانه فأمنه ورضي عنه، (قال أبوعمرو) قدم النابغة مع منظور بن زبان وسيار بن عمرو الفزاريين في وفادتهما على النعمان، فضرب لهما قبة مع قينة، فكان يبعث لهما بالأطعمة الفاخرة فلا يؤتيان بشيء إلا بدآ بالنابغة، فقالت القينة للنعمان: إن معهما شيخا يبدآن به قبل أنفسهما، ثم غنته ببعض أبيات النابغة فقال: هذا شعر علوي بمعنى أن الشعر منسوب إلى العالية فوق نجد إلى تهامة إلى ما وراء مكة، ثم قبل شعره وعفا عنه وأكرمه إكراما زائدا، وكان النعمان أسخى العرب، والنابغة اسمه زياد بن بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب المري الذبياني وإنما قيل له النابغة لنبوغه بالشعر بعدما كبر، وقيل لقوله:
وحلت في بني القين بن جسر
فقد نبغت لنا منهم شؤون
وهو شاعر جاهلي من الطبقة الأولى متقدم على سائر الشعراء لأنه أحسنهم ديباجه وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتا، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فتقصده الشعراء لعرض أشعارها عليه ومنهم صناجة العرب الأعشى والخنساء وغيرهما، وفي هذا القدر كفاية.