مرّ من العمر عام ومضى عام، مر عام بحلوه ومره وسعادته وحزنه، ولايزال القلب يحن إلى الماضي حنين غرائب الإبل إلى أوطانها، ذكريات لا تغيب عن أذهاننا، راحة بال وسعادة نفس أن تغرق في الماضي، وبالأمس كنت على موعد مع هذا الزائر الحبيب، فتضاعف حبي لهذا الوطن الذي أحب له واكره فيه، تتغير الوجوه وتتجدد الأحداث والحب ينمو ويكبر، يمضي قطار العمر سنة تتبعها سنة فيتجدد الأمل نحو مستقبل مشرق وكويت أفضل، ولسان حالي يردد قول جرير بن عطية الخطفي:
ذكرت وصال البيض والشيب شائع
ودار الصبا من عهدهن بلاقع
تحن قلوصي بعد هدء وهاجها
وميض على ذات السلاسل لامع
وها هي ذات السلاسل على مرمى عصا من المكان الذي وقفت فيه، إنها الكويت، الشعار والدثار، والأمن والاستقرار، والسر والسرار، ومجمع الأخيار، فتبا تبا لمن يريد محو ماضينا وطمس تاريخنا، إنها أرض السلام، صورة رائعة عشقها كل من عاش فيها وعرف أهلها، وإن جمالها وروعتها كامن بماضيها ومنازلها القديمة، وبساتينها الخضراء، ولله در جرير حيث يقول:
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا
بالدار دارا وبالجيران جيرانا
قد كنت في أثر الأظعان ذا طرب
مروعا من حذار البين محزانا
نخلة في بستان من بساتيننا تحكي لنا قصة كفاح مضى عليها مائتا سنة، قصر صبغ باللون الأحمر يذكرنا بدماء أجدادنا الذين تساقطوا مثل النخل الأشم دون أسواره غير آبهين بالموت يتبع بعضهم بعضا، لم يبالوا أسقط الموت عليهم أم سقطوا عليه:
من كان ينوي أهله فلا رجع
فر من الموت وفي الموت وقع
فلمَ تقتلون الماضي في أنفسنا، أم أنكم تتعمدون محو آثارنا تحت حجج واهية، إن من لا ماضي له، حاضره اسود ومستقبله مجهول، كيف تستبيحون نضال أجدادنا؟ إن بساتين الجهراء هي الرئة التي نتنفس الهواء من خلالها، وهي بعد صورة مشعة لكويت الماضي، إنها أماكن عزيزة على أنفسنا قريبة من قلوبنا نحبها من محبة الكويت، هي أشجار متشابكة طالما استظللنا بها من سموم القيض، بساتين طالما تغنى بها شعراء الكويت:
يا سحاب فوق تيما ترزف نوها
في شمالي السليل غدا عج وعسام
مع طلوع الشمس قامت تقابس ضوها
كم غدا بأسبابها من جواد ومن غلام
لا تقتربوا من هذه الأماكن فتزرعوا الكراهية في أنفسنا، انظروا إلى هذه الأماكن الباقية تروا في زاوية من زواياها قبرين الأول يخص الشهيد علي السالم المبارك والثاني يخص الشهيد جابر بن عبدالله الصباح، وكلاهما ضحى بنفسه من اجل الكويت، ومن هنا أتوجه برسالة إلى مقام سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله، راجيا من سموه إيقاف العبث بتراث أجدادنا، وأن يحفظ لنا تاريخنا، وسموه يعلم أن هذه البساتين القليلة الباقية تمثل صورة رائعة لما كانت الكويت عليه، وكيف عانى أجدادنا من اجل عيشنا الكريم، فبين كل شجرة وشجرة سقط قتيل مدافعا عن راية الكويت، سيدي سمو ولي العهد ألبسك الله ثوب الصحة والعافية، لا نريد لكفاحنا أن يستباح، ونخيلنا أن يتهاوى، وسدرنا أن ينثني، وشمسنا أن تظلم، ولم لا تحوط هذه البساتين ويحافظ عليها، والبر شاسع، ونحن يا سيدي لا نريد مجمعات تجارية تملأ جيوبنا أموالا ولكنا نريد أن تظل هذه البساتين لأجيالنا المتعاقبة، فليعملوا ما شاءوا بعيدا عن تراثنا وإرث أجدادنا، ولمن يطالع هذه السطور أقول الكويت أمانة في أعناقنا، لا تفرطوا بها فيفرط الله بكم، ولا تجعلوا من مشاريعكم ذريعة لنسف ماضيتا، وسحقا لمن لا يرعوي، ولأمه الثكل من يقدم مصلحته على مصلحة الكويت، ولا سلمه الله أينما توجه:
إن لم تكن لي والزمان شرم برم
لا خير فيك والزمان ترللي
كتبت هذه المقالة عند الحادية عشرة صباحا قبيل صلاة الجمعة مطلع يناير 2021، وأترككم في رعاية الله.