الآه مصدرها الوجع، ولا يقولها المرء إلا مرغما، مثل الدمع الذي لا تستطيع حبسه، فما بالكم بالآه بعد الآه، ولست أدري أنحن في وطن الآه، أم آه الوطن، أو نكون في وطن بلا آه، إن وقوفك على أطلال قومك يثير الشجن، ويبعث في نفسك الأسى، ويذكرك بأناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه في هذا الوطن، وقد نضحك أحيانا ولكنه ضحك أشبه ما يكون بالبكاء، كقول المتنبي:
وماذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكا
وشر البلية ما يضحك، فالحالة التي وصلنا إليها تثير القلق، جرح غائر، والسنة سليطة، واستنزاف لمقدرات الوطن، نعم، بطن لا يشبع، وأذن لا تسمع، ومرارة تفقع، ومع ذلك فلما زلنا بخير، لأن الكويت في أيد أمينة، فما بال ناعق ينعق هنا وهناك، ينذرنا بالويل والثبور، وعظائم الأمور، يصور لنا الكويت كخيمة في صحراء، تعصف بها الريح من كل جانب، وما يثير الدهشة أن هذا الناعق يبني تصوره لمستقبل الكويت على هذا الأساس الهش، فيتفلسف على رؤوسنا وينظر ويحلل وكأنه سقراط زمانه وفريد عصره وأوانه، فيأتي من يقلده ويكثر المنظرون والمتفلسفون والمتحذلقون، ليجعلوا من الوهم حقيقة ويصدقهم من على شاكلتهم من العامة، وعندما يصدق المرء ما توهمه، فلا شك أن به لوثة في عقله، فهل يمكن للسراب أن يكون ماء إلا عند المجانين، وكثير من هؤلاء المتحذلقون يعزون ما قالوه إلى فلان وعلان، ويعتبرونه مصدرا موثوقا، فهلا سألتم أنفسكم عن هذا «الفلان» أهو جهينة الذي يأتي بالخبر اليقين، أم أنه من إخوة مسيلمة الكذاب، تربت أيديكم وخاب سعيكم، إن الكويت وطن مضى على قيامه ما يربو على الثلاثة قرون، فهو مثل الجبل الذي لا تهزه الريح، والعالم كله يعرف أن فيالق صدام المقبور وكتائبه عجزت عن قهر إرادة الشعب الكويتي الحر، وتمسكه بشرعيته وقيادته، أفأنتم أيها المتفلسفون تهزون فيه شعره، إن هذا الوهم الذي تحاولون بثه بين أفراد المجتمع مثل المكر الذي لا يحيق إلا بأهله، وأنتم والله كما قال المتنبي أيضا:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
موتوا بغيظكم، فالكويت باقية رغم أنوفكم، ولن يستطيع كائن من كان زعزعة أمنها، لقد عاش أجدادنا على كسرة خبز يابسة إن وجدت، من أجل أن نعيش هذه العيشة الكريمة، فكيف نفرط في هذا الوطن العزيز، فوالله لن نفرط به حتى يلج الجمل سَمّ الخياط، فشرقوا وغربوا في أوهامكم أيها السادة المتوهمون، فأنتم كنافخ الكير، ولن تغيروا فينا شيئا، ولا يصح إلا الصحيح.. ودمتم سالمين.