عذراً لاستخدامي عنوان الأغنية الشهيرة «أيظن»، فكثير من أسماء الأغاني تصلح عناوين لمقالات كثيرة، خاصة الأغاني التي كتبها شعراؤها باللغة العربية الفصحى، مثل مطلع هذه الأغنية التي كتبها الشاعر السوري الكبير نزار قباني ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وغنتها نجاة الصغيرة عام 1960 وأعاد عبدالوهاب تسجيلها بصوته لنجاحها الكبير، أما الظن فيدور في فلك الشك، وهو يراوح بين الحقيقة والوهم، وربما أصاب كبد الحقيقة في بعض الأحيان ولكن القاعدة الثابتة تقول: الشك ليس يقينا، فلم نبنِ يقيننا على الشك؟ ونقول في الناس ما ليس فيهم، ونتحمل وزر ذلك، ومن الخطيئة بمكان أن تبني يقينك على الشك، ظن بالناس خيرا ودع الخلق للخالق، فليس المخبر كمن عاين، وهذه مشكلة سيكولوجية يعاني منها كثير من الناس وهي تحتاج منا إلى وقفة تأمل وتفكير، وإعادة لترتيب شؤون حياتنا، فالظن لا يُغني من الحق شيئا، فإياك والحكم على الناس بذريعة الظن، فتظلم نفسك وتأثم، اسأل وتحقق ثم قل ما شئت، وتذكر قول المولى عز وجل: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً..) «يونس - 38».
أعرف رجلا كان يظن بي ما ليس في، وإذا سأل عني أخرج ما في جعبته من سهام كره مؤكدا ما يقوله بأريحية وقناعة، وكأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأن ما يقوله هو الحقيقة بعينها، وتمر الأيام تلو الأيام، وتشاء الأقدار أن ألتقيه مصادفة وهو على ظنه بي ومعرفتي بذلك، فيحاورني على مضض، وبلا رغبة، ويتكرر اللقاء بعد اللقاء، فإذا به ينظر اليّ خجلا مترددا، فيقول: ظلمتك يا أخياه! (اللي ما يعرفك ما يثمنك)، فأقول له على الفور: سامحتك وانت في حل مما قلته في، وها هو اليوم إذا رآني بش في وجهي وسلم سلام محب، وهذه تجربة مررت بها أحببت أن أستشهد بها، وأسوقها لكم لعل وعسى أن يقرأها من عاش حياته على الظن فيستفيد منها، وإن كان ولابد من الظن فظن بالناس خيرا ولا تزيد على ذلك ليرتاح ضميرك، وتسعد في حياتك، يقول صالح بن عبدالقدوس:
ألا إن بعض الظن إثم فلا تكن
ظنونا لما فيه عليك أثام
وإن ظنون المرء مثل سحائب
لوامع منها ماطر وجهام
وقد قال حكيم العرب أكثم بن صيفي: «من أحسن الظن أراح نفسه» ولله در تميم بن مقبل حيث يقول:
سأترك للظن ما بعده
ومن يك ذا ريبة يستبن
ولا تتبع الظن إن الظنون
تريك من الأمر ما لم يكن
والأهم من كل ما ذكرت حسن ظنك بالله ولا يكون ذلك إلا بإيمان ويقين برحمته تعالى، وهذا كنحو قول محمد بن وهيب:
وإني لأدعو الله حتى كأنني
أرى بجميل الظن ما الله فاعل
٭ وأترككم في رعاية الله.
[email protected]