عشق الأدب والتاريخ سرى في دمي منذ تعلمت الكتابة والقراءة، والى يومنا هذا رغم تقدم سني وانشغالي بأمور الحياة، حتى أصبحت لدي 3 مكتبات مكتظة بالكتب والمراجع وإذا أجلت نظري بها فكأنني أنظر الى حب قديم ألفته وألفني، شب وكبر معي، وفي شبابي الأول كنت أستمع الى بيت شعر ضمن أبيات موال يغنيه شيخ الفنانين الكويتيين عبداللطيف عبدالرحمن العبيد (الكويتي) قبل أغنيته الشهيرة «تريد الهوى لك على ما تريد: فيقول رحمه الله:
قلب المتيم كاد أن يتفتتا
فإلى متى هذا الصدود الى متى
وهو ضالتي المنشودة ثم يقول:
يا معرضين عن المشوق تلفتوا
عوايد الغزلان أن تتلفتا
كنا وكنتم والزمان مساعد
عجبا لهذا الشمل كيف تشتتا
صد وبعد واشتياق ولوعة
ما كل هذا الحال يحمله الفتى
هذه الأبيات وما تلاها تثير الشجن في نفسي، وتذكرني بأحبتي، فأعاود سماعها بلا كلل ولا ملل، وأتمنى لو عرفت صاحب هذه الأبيات التي تبدو للوهلة الأولى أنها أحاسيس صادقة تحمل في طياتها تجربة حب فاشلة، فبحثت كثيرا في أمهات الكتب التي لدي واشتريت عشرات الكتب ومرت السنين يسابق بعضها بعضا ولم أجد لشاعرها أثر، فلم أفقد الأمل، واستمررت بالبحث، وخلال عملي الصحافي، كنت أتردد على شركة فنية بجوارها مكتبة في حولي كثيرا ما أشتري منها الكتب، وبعد مرور 25 عاما من البحث والتقصي وجدت لوحة على هذه المكتبة مكتوب عليها تصفية عامة، فولجتها فرحا واشتريت سلسلة «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للفقيه الأديب أبي الفلاح عبدالحي بن العماد الحنبلي، وهي 4 أجزاء ضخمة، وقرأت السلسلة وعند الجزء الثالث وقعت عيني على الأبيات، فإذا صاحبها أديب شاعر وكاتب من كبار أمراء المماليك بمصر في القرن الثامن الهجري وهو الأمير الفاضل ناصر الدين محمد، ولقبه (حسن كلي) المتوفى سنة 779 للهجرة، وقد ترجم له ابن العماد فقال: كان مفرط الذكاء، أحسن الناس خطا وأرقهم شعرا، مشهور في وقته، وأضاف أن وفاته ووفاة السلطان الملك الأشرف زين الدين شعبان الألفي في عام واحد، فحمدت ربي وفرحت فرحا شديدا، وهذه الحكاية سقتها لكم ليتعلم الشباب منها ان مع الصبر الظفر، ولابد من الإصرار والجد والعزيمة للوصول الى الهدف، ومثلما قالوا في الأمثال: من سار على الدرب وصل، وأترككم في رعاية الله.