شطر بيت كله شجن، محب صادق المشاعر يطلب من محبوبته اللبث قليلا قبل الرحيل، فقد دنا الفراق وأزفت ساعة الرحيل، لذا قال لها بحزن ووجد:
قفي قبل وشك البين يا ابنة مالك
ولا تحرمينا نظرة من جمالك
لم يطلب هذا العاشق من حبيبته أمرا صعبا، كل ما هنالك النظرة الأخيرة، نظرة يملؤ عينيه فيها من جمال أميم هذه، لقد أصبح في موقف لا يحسد عليه، فعاود مناشدته لها قائلا:
قِفِي يا أُمَيْمَ القَلْبِ نَقْرَ تَحِيَّةً
ونَشْكُ الهَوَى، ثَم افْعَلِي ما بَدا لَكِ
أراد أن تقف ليقضي حاجته من رؤياها، ويشكو إليها حر الهوى وشدة ألم الفراق، ثم بعد ذلك تفعل ما تشاء، حاجة في نفس هذا الشاعر يريد أن يقضيها، مع رضاه بما حكم الله عليه، فلا جزع من قضاء الله وقدره، فكم هو صادق في حبه لها، ولأن محبته لها تخلخلت في سويداء قلبه، ذكرها بأماكن وقف عندها طويلا من أجلها فقال:
سَلِي البانَةَ الغَنّاءَ بالأَجْرَعِ الذي
به البانُ هل حَيَّيْتُ أَطْلالَ دارِكِ
وهنا يذكرها بشجرة البانة، المورقة الخضراء القريبة من الأجرع، كم وقف بها طويلا وحيا رسوم منزلها وبقية آثاره، والبانة ضرب من ضروب الشجر، سبط القوام لين، ويشبه ورقه ورق الصفصاف، يشبه به النساء في الطول واللين، والأجرع: أرض ذات حزونة تشاكل الرمل، ثم يكمل هذا الشاعر وهو ابن الدمينة سرد معاناته في حب ابنة مالك فيقول:
وهل قمت في أطلالهن عشية
مقام أخي البأساء واخترت ذلك
وهل كفكفت عيناي بالدار عبرة
فرادى كنظم اللؤلؤ المتسالك
وقولك للعواد كيف ترونه
فقلت قتيلا قلت أيسر هالك
لَئِنْ ساءَنِي أَنْ نِلْتِنِي بَمَساءَةٍ
لقَدْ سَرَّنِي أَنِّي خَطَرْتُ ببالِكِ
ليهنك إمساكي بكفي على الحشا
ورقراق دمعي رهبة من مطالك
أرى الناس يرجون الربيع وإنما
رجائي الذي أرجوه خير نوالك
أبيني، أفي يمنى يديك جعلتني
فأفرح أم صيرتني في شمالك
وكما ترون فالأبيات غاية في الرقة والسلاسة مع متانة العبارة، وابن الدمينة منسوب لأمه السلولية، أما اسمه فهو عبدالله بن عبيدالله الخثعمي، ومن مشهور شعره قوله:
أَلاَ يَا صَبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ مِنْ نَجْدٍ
لَقَدْ زَادَني مَسـراكِ وَجْداً عَلى وَجْدِ
وقد قتل غيلة في مكة المكرمة عام 130 للهجرة، وأترككم في رعاية الله.