لا شك أن العز والراحة النفسية بالقناعة، وكانت العرب تقول: «خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع»، والقناعة كنز لا ينفد، من هنا قال الرجل الصالح بشر بن الحارث المعروف ببشر الحافي:
أفادتنا القناعة أي عز
ولا عزا أعز من القناعة
فخذ منها لنفسك رأس مال
وصيّر بعدها التقوى بضاعة
تحز حالين: تغنى عن بخيل
وتسعد في الجنان بصبر ساعة
والحق أن كثيرا من الناس يلهثون وراء الدنيا وديدنهم في هذه الدنيا هل من مزيد؟ مع العلم أن القناعة فيها من طمأنينة النفس الشيء الكثير، وفي ذلك يقول عبدالعزيز بن سليمان الأبرش:
إذا المرء لم يقنع بعيش فإنه
وإن كان ذا مال من الفقر موقر
إذا كان فضل الناس يغنيك بينهم
فأنت بفضل الله أغنى وأيسر
فالقناعة هي الطريق السالك إلى الحياة الطيبة الرضية، ولكن لا حياة لمن تنادي، فأين نحن من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». (رواه الترمذي وابن ماجة)؟!
ومن لم يطلب الغنى بالقناعة فهو خاسر، ومن قنع كان غنيا وإن لم يكن كذلك، ومن لم يقنع كان فقيرا مهما ملك من مال، ومن وصايا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه: يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه. وقال حكيم العرب أكثم بن صيفي: من لم ييأس على ما فاته ودع بدنه، ومن قنع بما هو فيه قرت عينه، وإن أنت لم تقنع بما آتاك الله فأنت معترض على ما كتبه الله لك، وهذا ما لا يحوز، وفي ذلك يقول الإمام علي بن أبي طالب:
النفس تجزع أن تكون فقيرة
والفقر خير من غنى يطغيها
فغنى النفوس هو الكفاف وإن أبت
فجميع ما في الأرض لا يكفيها