«الدراهم كالمراهم» مثل شهير يقال لمن تحسنت حالته بعد معاناة، وأثرى بعد فقر، ولم يصدق نفسه، وما أكثرهم في مجتمعنا العربي، وقد قال ابن فارس: لم يسم المال مالا إلا لأنه يميل بقلوب الناس، وهو نعمة ومنة من الله تعالى إذا أحسن استخدامه وأخذ حق الله منه، والحقيقة انه في هذه الأيام طغت المادة على كل شيء وأصبح المال هو الهمّ الأكبر عند كثير من الناس،وصار المرء يقاس بما يملكه من دراهم، وحب المال ليس أمرا جديدا، فهذا أبو العيناء يقول وقد أحسن ما شاء:
من كان يملك درهمين تعلمت
شفتاه أنواع الكلام فقالا
فصاحب المال تجده مزهوا إذا تحدث حسبته متحدث زمانه، خاصة من أثرى بعد فقر، وأيسر بعد عسر، وقد صور لنا نفس الشاعر حالة هذا الرجل في بيت آخر فقال:
وتقدم الفصحاء فاستمعوا له
ورأيته بين الملا مختالا
فبعد أن أثرى أصبح فصيحا لسنا خطيبا، وهذه فتنة المال، فالمال جعله في مكانة عالية حتى أنك تخاله فوق الناس جميعا، وقد جبلت الأنفس على حب المال ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، فماذا لو لم يكن هذا الرجل يملك المال؟ لقد بين أبوالعيناء لنا حالته بلا مال فقال:
لولا دراهمه التي في كيسه
لرأيته شر البرية حالا
هذا الرجل الذي أصبح غنيا على غفلة لولا ماله لكان شر الناس، وفي حالة يرثى لها، فكيف إذا تحدث هذا الغني الموسر، هو يقول:
إن الغني إذا تكلم كاذبا
قالوا صدقت وما نطقت محالا
فإذا تكلم الغني حتى وإن كان كاذبا فيما قاله قال له من حوله أنت صادق وكل ما ذكرته صحيح وهم يعلمون تماما أنه كاذب، ولكن المال أعمى بصرهم وبصيرتهم، فكذب الغني صدق، ولكن كيف حال الفقير عند هؤلاء؟ يقول:
وإذا الفقير أصاب قالوا لم تصب
وكذبت يا هذا وقلت ضلالا
مسكين هو الفقير، فحتى إذا تكلم صادقا قيل له أنت كاذب! لأنه لا ناصر له، فالدراهم لها تأثيرها القوي على الأنفس لذا قال:
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
إن للدراهم فعلا كبيرا، تضفي على صاحبها الهيبة وتجعل له تأثيرا على الأنفس وعظمة في عيون الناس ويجعلون له شأنا عظيما، ثم يذهب أبوالعيناء إلى أبعد من ذلك فيقول:
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
وأبو العيناء من موالي بني هاشم واسمه محمد بن القاسم كان ضريرا إلا أنه علامة إخباريا فصيحا لسنا ذا عارضة، توفي عام 291 للهجرة وفي هذا القدر كفاية.