هناك جمل وعبارات نسمعها فتستهوينا وتظل عالقة بأذهاننا لأنها تحكي حدثا ما، وهذه الجملة أو العبارة «أنا هنا أين أنتم؟» لطالما شنفت آذاننا، وسمعناها على لسان مراسل قناة الحدث محمد عرب، الذي يقولها بلهجة تحد وإصرار وكبرياء، وهي صالحة للحال الذي نعيشه وهذه الفترة العصيبة في الكويت، «أعان الله كلا على كل»، ولولا العجالة في كتابة المقالة لأسميتها «التحدي في زمن التردي»، والظاهر والله أعلم، أننا نعيش في النفس الأخير للديموقراطية، فنحن وسط معمعة وجلبة وفتنة وضوضاء، وكل منا يقول «الحق عندي» مع عدم القبول إلا برأيه، فكل طرف لا يقبل بالطرف الثاني ولا يسمع منه. خصام وصدام والخاسر الأكبر نحن أبناء الكويت. صورة قاتمة لا تبشر بالخير. هذه الحالة التي نعيشها ذكرتني بقول أمير الشعراء أحمد شوقي، حيث يقول:
إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض
وتبدون العداوة والخصاما
يا سادة حفظكم الله بحفظه، نحن نعيش في فوضى عارمة، كأننا في ساحة قتال، وكل منا يستفز الآخر وينادي بأعلى صوته «أنا هنا أين أنتم؟»، إنها الفتنة التي نتعوذ منها دبر كل صلاة، وما بعد الفتنة إلا سوء الوبال، ووطننا الكويت لسان حاله يردد بكل أسى وحسرة:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه
حفاظا وينوي من سفاهته كسري
أعود على ذي الذنب والجهل منهم
بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
وقد خاطبنا صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله، مرات عدة، وحذرنا من الفتنة والتشرذم والانقسام، بكل صراحة ووضوح، ومن أقوال سموه: لن نسمح لقلة ضالة بجر البلاد إلى الانقسام والفوضى باسم الحرية، وسنقضي على أشباح الفتن حفاظا على أمن البلاد.
فلم لا نستكين ونعيد حساباتنا؟ لقد مللنا الشد والجذب والتراشق والتلاسن وتعطيل المصالح، والأدهى من ذلك عدم الالتفات الى مناشدة ولاة أمورنا وكأن الأمر لا يعنينا؟! وإلى متى لغة التحدي والأنانية؟ لقد تزايد الوجع وتضاعف الألم وصرنا نعيش حالة غير مسبوقة، هذه ميعة الديموقراطية فعلا وقولا، وهي نذير شؤم، لقد شربنا من الديموقراطية حتى طفحناها، وقد مل الشعب الكويتي سياسة حتى أصيب بالتخمة، وأيم الله ما هذه بالديموقراطية التي تعودنا عليها، متى كانت الديموقراطية «رأيي فقط ورأيك في عرض البحر»؟! لقد سمجت الأمور وفقدت الحرية طعمها ولونها ورائحتها، وآن لنا أن نعيد حساباتنا ونقدم مصلحة الوطن على مصالحنا، وإلا فعلى الديموقراطية السلام.