هذا الشعر يسمى رجزا، وهو أرجوزة لهند بنت عتبة وبنات طارق، بنات السادة الأكابر، شبهتهن بالنجوم لعلو مكانتهن ومكانة آبائهن والقصد الفخر والاعتزاز، والطارق النجم، ونمشي على النمارق أيضا فخر واعتزاز بالنفس، والنمارق جمع نمرقة وهي الوسادة الصغيرة وتأتي بمعنى الفرش الوثيرة، وقد وردت النمارق في القرآن الكريم حيث يقول المولى عز وجل: (ونمارق مصفوفة ـ الغاشية: 15)، وفسرها ابن عباس بالمرافق والمجالس.
ثم تقول هند: الدر في المخانق، والمعنى أنهن يلبسن الحلي والجواهر النفيسة على أجيادهن، ليس هذا فحسب وإنما تقول: والمسك في المفارق، فهن يتعطرن بالمسك وهو أغلى أنواع الطيب، والمفارق جمع مفرق وهو مكان انفراق الشعر، ثم تقول: إن تقبلوا نعانق وهي تعني أنه إن أقبلتم على قتال العدو فنحن لكم محبون معانقون، وتقول على نفس السياق: أو تدبروا نفارق، والمعنى إن تنهزموا وتهربوا عن لقاء عدوكم فسنفارقكم ولن تنالوا حبنا، وتختم بقولها: فراق غير وامق، فهذا الفراق لا رجعة فيه، وهو فراق غير المحب الكاره الماقت، وقد قالت هند هذا الرجز قبيل وقوع معركة أحد، تشجع كفار مكة على قتال المسلمين، وهي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف زوجة أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي أم الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وهند هذه هي التي لاكت كبد سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب بعد استشهاده، كان أبوها عتبة من رجالات قريش أولي الرأي والحكمة إلا أنه قتل كافرا في معركة بدر، وكانت امرأة لها إباء وأنفة وجودة رأي، وقد أسلمت حين فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وحسن إسلامها، وشهدت معركة اليرموك، وعندما طلقها زوجها الأول الفاكه بن المغيرة المخزومي وكانت على جانب عظيم من الحسن تقدم لخطبتها سهيل بن عمرو وأبوسفيان بن حرب فقال لها أبوها:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما
رضا لك يا هند الهنود ومقنع
وما منهما إلا يعاش بفضله
وما منهما إلا يضر وينفع
وما منهما إلا كريم مرزأ
وما منهما إلا أغر سميدع
فدونك فاختاري فأنت بصيرة
ولا تخدعي إن المخادع يخدع
فاختارت أبا سفيان، وكان ابنها معاوية في صباه يلعب أمامها فرآه رجل يعتاف، فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه، فقالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه، توفيت هند بنت عتبة في اليوم الذي مات فيه أبوقحافة والد أبي بكر الصديق في سنة أربع عشرة للهجرة. وفي هذا القدر كفاية.