«عش رجبا ترى عجبا» مثل قديم قاله الحارث بن عباد بعد أن طلق امرأته وتزوجت غيره، وهو مثل صالح لكل زمان ومكان، وردده الناس كثيرا وراق لهم لما فيه من العبرة والعظة، فمن عاش رجبا رأى عجبا، والحياة لا تخلو من العجائب، ومن قدر له أن يعيش عمرا طويلا سيرى ما لا يتصوره، ومن العجائب التي مللنا سماعها وتردادها بشكل يومي وبلا كلل أو ملل حتى أصبحت أسطوانة مشروخة انتقاد الحكومة بكل شاردة وواردة، وبسبب وبغير سبب، حتى إن البعض يصب جام غضبه عليها كأنها حكومة من خارج الوطن وأن من بها لا يهمهم مصلحة الوطن.
والسؤال المستحق هنا: هل من ينتقد الحكومة خال من العيوب؟ أو انه أحسن حالا منها لو كان مكانها، لا أظن ذلك، فكلنا أصحاب عيوب، والكمال لله وحده، وحتى عندما ننتقد الحكومة لابد أن نلتزم بالحوار المفيد والنقد البناء، لأننا لم نجد بين هؤلاء الناس من يضع الحلول لهذا الخلل من هذا أو ذاك، إنه نقد من أجل النقد وانتقاد أجوف لا يغني ولا يسمن من جوع، حتى أصبحت الحكومة أشبه ما يكون بقول القائل: «عومة ماكولة ومذمومة» وعومة سمكة صغيرة جدا يذمها الناس ويقبلون على أكلها بشراهة، ربما يظن البعض أنني أدافع عن الحكومة.
والحقيقة أنني لست مدافعا عنها لكن الحق أحق أن يتبع، وهذه هي الحقيقة التي يغمض الكثير عينه عنها، لك الحق أن تنتقد ولكن لابد من النقد البناء الذي يفضي إلى الإصلاح وما سوى ذلك غير مقبول جملة وتفصيلا، ومن العجائب أنه ومنذ تحرير الكويت حتى اليوم لم تسلم حكومة واحدة من الذم، ومما يثير الدهشة والعجب حقا أيضا أن حكومة الشيخ صباح الخالد كانت مرضيا عنها في بداية أزمة كورونا، ويكال لها المديح تلو المديح، ثم فجأة وبلا مقدمات قذفت بالموبقات السبع وكأنها حكومة جلبت من الخارج، وليس من يذم وينتقد بأفضل حالا منها، لكن رضا الناس غاية لا تدرك، وعش رجبا ترى عجبا، وليس العجب مقصورا على هذا الأمر بالذات ولكننا نردد هذا المثل لكل من سار على مبدأ ونادى به وقاتل من أجله ودونه واستبسل ثم انقلب رأسا على عقب على مبدئه، الأمر الذي يجعلنا نجزم بأنه غير صادق وأن كل ما ادعاه ليس لوجه الله وإنما لحاجة ما في نفس يعقوب، فانطبق عليه قول القائل:
صلى المصلي لأمر كان يطلبه
فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما
فإلى كل من ينتقد هذا أو ذاك.. عليك أن تضع الحلول لكل قصور تراه حتى يكون نقدك مقبولا، وحتى لا تكون ناقدا من أجل النقد ومن أجل الظهور، فلا يصح إلا الصحيح.