تعلمنا منذ الصغر أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، وتعلمنا أيضا أن نحترم آراء غيرنا كي يحترموا آراءنا، فما بالنا اليوم أصبحنا لا نؤمن بهذه المقولة، بل إنها لم تعد موجودة في قاموسنا، لقد أصبح الاختلاف في الرأي يفسد كل القضايا، ويثير الشحناء، وقد تصل الأمور إلى التشاتم والتعارك والتشابك بالأيدي، وقد شاهدنا ذلك، فما هذه الأنانية! وما هذا الفجور في الخصومة؟
ومشكلة المشاكل أن تسير على مقولة أما أن تكون معي أو أنت ضدي، فلا وسط عندي، فأنا على الحق وأنت ليس لك حق، شئت أم أبيت، حتى وصلت الأمور لنبذ الرأي الآخر بصورة غير لائقة، وهذا المبدأ إن جاز لنا تسميته مبدأ يدمر نسيج المجتمع برمته، والأدهى أن يتعلمه النشء ويردده، فهنا تكمن الخطورة.
والواقع أن الإعلام سلاح ذو حدين فإما أن يكون بنّاء وإما أن يكون هداما، وهو يسهم مساهمة فاعلة في تأجيج الأزمة تلو الأزمة، وبما أن وسائل الإعلام أصبحت في متناول اليد، فالأمر من الخطورة بمكان، ولاحظنا تدني لغة التخاطب في السنوات الأخيرة، وكثير من هذه الخطابات تعزز الانقسام، وتبث الفرقة، ومن أسباب ذلك وسائل التواصل والحرية الزائدة التي لم يعد لها سقف، فهي السبب الرئيسي، ومكمن الداء، فالحرية إذا زادت على حدها انقلبت إلى ضدها، لقد صرنا نسمع ألفاظا كنا نستحي من التلفظ بها، سباب وكيل اتهامات والحط من شأن من يخالفني الرأي، ووصفه بصفات مشينة، وفي هذا الأمر إساءة بالغة للحرية، فمتى كانت الحرية بهذه الطريقة؟
إن هذه الحرية المزعومة تفرق ولا تجمع، وتؤثر تأثيرا بالغا على وحدتنا الوطنية، وتضعف تماسكنا وتجعلنا نكره بعضنا بعضا، والكويت لا تتحمل ذلك، والملاحظ أيضا أن البعض صار يميل إلى قبيلته ويتباهى بانتمائه لها متناسيا وطنه، لذا فبمجرد اختلافك معي فأنت عدوي اللدود، وسأحاربك بكل وسيلة، ما جعل الحوار يصبح عقيما، وغير مجد، بمعنى أنك إما تكون معي أو اذهب وراء الشمس، وإلى الجحيم، وهذه القسمة الظالمة، أليس لي رأي كما لك رأي؟ واليوم نسمع خطابات متشنجة، وبلا فرامل، وهذا أمر يدعو إلى الامتعاض والاشمئزاز حتى أننا كرهنا سماع هذا النوع من الخطابات الاستفزازية.
والعجيب أن هناك الكثير ممن يرددها دون أن يعلم أنها تضرب إسفينا في جدار المجتمع الكويتي وأنها تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، ولا شك أن هناك قصورا في وسائل الإعلام الرسمية، فهي المنوط بها التصدي لمثل هذا الانفلات، فنحن بحاجة ماسة إلى برامج توعوية موجهة تحارب هذه الظاهرة الشاذة على المجتمع الكويتي، وكلنا ثقة بوزير الإعلام الشاب عبدالرحمن المطيري الذي جاء لخدمة وطنه، وظهر أنه جاء للإصلاح، فنتمنى أن يتصدى لهذا الأمر بالقانون، وأن يصدر تعليماته إلى وسائل الإعلام بالتصدي لذلك عبر برامج حوارية تحارب هذا النهج المنحرف، وهو بإذن الله أهلا لذلك والكويت تستحق منا الكثير.. والله الموفق.