الإشاعة مثل الفتنة تبدأ صغيرة ثم تكبر، أو كالشرارة بجانب الحطب سرعان ما تصبح نارا كبرى، وهي ليست وليدة اليوم وإنما قديمة قدم الجنس البشري، وتجدها في كل بلاد الله الواسعة، ويتأذى منها أناس كثر بحق وبغير حق، حتى الشعراء استخدموا كلمة إشاعة في قصائدهم لكن ليس للفتنة وإثارة البلبلة وإنما ليرضوا أحبابهم، ولعل لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الكبير في رواجها، فقد ساهمت مساهمة فاعلة في بثها وانتشارها بصورة سريعة للغاية بين الناس. وهناك أناس لا يصدقونها ويرفضونها جملة وتفصيلا، وهم العقلاء أهل الحكمة والرزانة، وفي المقابل هناك أناس يصدقونها وتحلو لهم، والبعض من هؤلاء عن حسن نية، أما البعض الآخر فعن سوء نية وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، فمن يصدق الإشاعة يبدأ ينشرها بين الناس، والعجيب أن هناك أناسا كثيرين يتلذذون في نشر الأخبار الكاذبة، ويجدون بها ضالتهم المنشودة، وهذه الفئة الضالة المضلة لاشك أنها تعاني من أمراض نفسية، والحق أن ظاهرة انتشار الإشاعات ظاهرة خطيرة جدا لها أضرارها الجسيمة، وتبعاتها الوخيمة على المجتمع بصورة عامة وعلى الأسر بصورة خاصة، فكم هدمت هذه الإشاعات كيان أسرة آمنة مطمئنة، مع أنها أخبار عارية عن الصحة تماما، ولا تستند إلى مصادر موثوقة، وما ان تنتشر بين الناس حتى يضيف إليها عديمو الضمير أخبارا أخرى وتصبح في وقت قليل حديث كثير من الناس، وبعد برهة تأتي إشاعة ثانية فيتركوا الأولى ويتحدثون بالثانية وهكذا، وهذه عادة سيئة للغاية حذرنا منها ديننا الحنيف، لأنها الكذب بعينه، كما نهانا الإسلام عن بث الأخبار الملفقة وترويجها بين الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ـ النحل 105)، كما قال عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ـ الحجرات: 6). والحق ان الإشاعات إحدى أفتك الحروب النفسية، وقد استخدمها قدماء المصريين واليونانيون والصينيون في الحروب للتأثير على الروح المعنوية للعدو، أما عندنا في الكويت فهي للقيل والقال، والإضرار بالناس، فما ان تطلق إشاعة حتى تتلقفها وسائل التواصل الاجتماعي كأنها صيد ثمين، ثم تسهم بانتشارها وترويجها، وبوقت قصير تنتشر انتشار النار في الهشيم، خاصة أننا نعيش في ظروف استثنائية فمنذ سنتين ونحن نعاني كغيرنا من دول العالم بسبب هذا الوباء الخبيث الذي جثم على صدورنا وكاد يخنقنا. والحق أنني لو كنت مسؤولا لوضعت هيئة لمكافحة الإشاعات ووضعت قانونا أشد يعاقب كل من يطلقها، ولابد من توعية الناس عبر وسائل الإعلام بخطورة هذا الأمر، فكم من زوج طلق زوجته بسبب إشاعة، وكم من أسرة تفككت، وأشد أنواع الإشاعات تلك التي تمس وبشكل مباشر أعراض الناس وأسرارهم، فيالها من شناعة ما بعدها شناعة، فعلينا ألا نصدق هذه الأكاذيب وأن نحاربها بكل قوة، وأن نبتعد عن هؤلاء الناس الذين يسعون في الأرض فسادا، والله ولي التوفيق.