ما من شك أن مرتع الظلم وخيم، وخاتمته مريعة، فالله يمهل ولا يهمل، والظلم ظلمات يوم القيامة، وحسرة وندامة، يوم لا ينفع الندم، وليس بين الله ودعوة المظلوم حجاب، وهي أسرع مما نتصوره، وحقيق بالظالم أن يجازى على ظلمه في الدنيا والآخرة، وليس الأمر مقصور على الظالم وحده وإنما يشمل الساكت على الظلم، والراضي به، فالساكت على الظلم والراضي به شريكا للظالم في ظلمه، ومن حكم الله أنه مامن ظالم إلا وسيبلى بمن هو أظلم منه، وهذه سنة المولى عز وجل وحكمته فمن أعان ظالما على ظلمه سلط الله عليه من يظلمه، وهذا واضح في قول الله تعالى: (والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ماعملوا وحاق بهم ماكانوا يستهزئون) (الزمر 51) من هنا قالوا أن الظلم عواقبه وخيمة ليس على الأفراد فحسب وإنما على الجماعات والدول، وانظروا حولنا لما حل بالظلمة والطغاة من نهايات يقشعر لها البدن في عصرنا هذا، وليس من صفة سيئة أسوأ من الظلم وهو أساسا مشتق من الظلام، يقول محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيدالله:
فلا تعجل على أحد بظلم
فإن الظلم مرتعه وخيم
فما من يد إلا ويد الله فوقها، فالظلم هو الهلكة بعينها:
لاتظلمن إذا ماكنت مقتدرا
فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم.
ولو علم الظالم تمام العلم أن نده وخصيمه هو الله تعالى لما تجاسر على الظلم ولكن الله أعمى بصره وبصيرته فأقدم على الظلم، وإذا انتشر الظلم غابت العدالة وعمت الفوضى، ولاشك أن للظلم توابع كثيرة منها الجور والغشم والهضم وغير ذلك، والله يملي للظالم ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. كان البرامكة وزراء هارون الرشيد وكان لهم من السلطة والجاه والأملاك والرجال ما لم يكن لغيرهم في سائر الدول، فظنوا أنهم سيكونون على هذه الحال إلى ما لا نهاية، فجاءهم ما لم يفكروا به فنكبهم هارون الرشيد النكبة المشهورة، التي ضرب بها المثل، فزال عنهم الجاه والسلطة والمال والرجال في لحظة، وزجّ الرشيد بيحيى البرمكي وابنه الفضل في السجن، فقال الفضل لأبيه يحيى: بعد الجاه والملك صرنا إلى ما صرنا إليه يا أبي؟ فقال له أبوه: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، فكان هذا مآلهم ومصيرهم.
فما أشد وقع سهام الليل في مرامي الظالمين، وما الذي حدث للحجاج بن يوسف الثقفي بعد أن قتل الرجل الصالح سعيد بن جبير ظلما وعدوانا؟ عبرة ما بعدها عبرة، لقد قال سعيد قبل أن يقتل: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي، فاستجاب الله له وأصابت دعوته الحجاج في بدنة، وبعث الله له الأكلة تفري أمعاءه فريا وظل يعذب بهذا المرض الخبيث أربعين ليلة، ويقول أثناء ذلك: مالي ولسعيد بن جبير، حتى أهلكه الله تعالى، فكان عبرة لمن يعتبر.