عندما يقال لك «اقبض من دبش»، فأنت لن تقبض شيئا البتة، وإذا كان مالا فتعوض الله في هذا المال، وإن ماطلك شخص في حق لك عليه وأيست من أخذ حقك من هذا المراوغ الأفاك قيل لك: «لا تتعب نفسك اقبض من دبش»، فأنت تتبع السراب وتظنه ماء، وليس الأمر مقصورا على المال فقط وإنما أيضا الكلام بلا فعل والكذب الصراح والوعود الكاذبة.
وفي كل الأحوال إذا قيل لك اقبض من دبش فأنت ستعود خالي الوفاض صفر اليدين، مكسور الخاطر، تجر أذيال الخيبة، وما أكثر الناس الذين ينطبق عليهم مثل «اقبض من دبش»، ليس في مجتمعنا الكويتي فحسب وإنما في كل المجتمعات العربية، لأن الكذب صار حلية وزينة عند بعض الناس، حتى انه يقوم ليكذب ويجلس ليكذب ويذهب ليكذب بعد ان كان الكذب عيبا وعارا، فأنت اليوم تجد من يعطيك الشمس بيد والقمر بيد، ويمنيك بالباطل حتى تصدقه وتثق به، فتفاجأ بأنه باعك الوهم وأن كل ما قاله لك ذهب أدراج الرياح، وفي النهاية لن تقبض شيئا.
ولعل صاحب هذه الصفة السيئة لا يدري أنه معدود في زمرة الكذبة والمنافقين، وربما علم بذلك ولكن الله أعمى بصره وبصيرته، وهناك شريحة كبيرة من الناس لا تعلم أصل هذا المثل وقصته، رغم سماعها له، ولا تعرف من أين جاء هذا المثل العجيب.
أما كلمة (اقبض) فكما نعرف تعني استلم، و(دبش) كلمة يهودية معناها العسل، وقد جاءنا هذا المثل من العراق وتحديدا من البصرة المدينة القريبة من الكويت، والتي يربطنا بأهاليها كل محبة وود وحسن جيرة، ومن قصة هذا المثل أن هناك رجلا اسمه «عيزرا دبش ساسون» كان يعمل مديرا لميناء البصرة، فهو المسؤول عن صرف رواتب الموظفين وأجور العمال، وهو يهودي الديانة، وكان لليهود تواجد كبير في العراق والدول العربية قبل نكسة 1948 وكان معروفا عن هذا الرجل الهمة والدقة والنشاط والأمانة في عمله، وأنه يدير الميناء وحده، فيقوم بالأمور المالية والإدارية، وكان يذهب إلى عمله أول الناس ويخرج آخرهم، وبعد النكسة ضيق على اليهود في العراق فغادر عدد كبير منهم العراق، ومن بينهم صاحبنا هذا، عيزرا دبش ساسون الذي حزم أمتعته وغادر البصرة متوجها إلى ميناء حيفاء في فلسطين، وهناك تسلم إدارة الميناء واستمر بنفس عمله حتى وفاته سنة 1962، وبعد سفره كان العمال في ميناء البصرة يطالبون بأجورهم، ويبحثون ويسألون عنه دون جدوى، ولا يعلمون أنه غادر العراق ولم يخبرهم أحد بذلك، فكانوا إذا سألوا عن أجورهم قيل لهم: (اقبض من دبش)، ثم علموا بعد ذلك أن الرجل سافر، فصار مثلا دارجا يضرب للسخرية يردده الناس، والمثل قريب من قولهم «بالمشمش» واستخدم في الكويت والعراق وبعض دول الخليج.
ما أجمل الصدق، فهو يوسع الرزق ويرضي الرب وفيه حسن العاقبة بالدنيا والآخرة، وبه ترتفع منزلة المرء بين الناس، هذا ودمتم سالمين.