أوشك أو كاد هذا الوباء الخبيث «كورونا» أن يرحل عنا، ليس بمشيئته ولكن بمشيئة من أمره أن يحل بساحتنا، ويقض مضاجعنا، وهو الله الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فلله الأمر من قبل ومن بعد، ولا راد لقضائه وقدره، ولا أشبه ما مر بنا إلا بالمعركة الضارية التي انجلت عن آلاف القتلى والجرحى، فرحم الله من مات جراء هذا الوباء الخبيث وجعله من الشهداء بإذنه تعالى، وشافي كل مصاب، والحقيقة أننا عشنا فترة عصيبة للغاية، بين الخوف والقلق، والترقب والتوجس، حتى إن هذا الوباء الخبيث أرغمنا على أن نعزل أنفسنا عن أهلنا وأحبتنا وأصحابنا، لا نعرف مصيرنا، هل سنموت؟ هل ستستمر بنا الحياة، ونحن نرى ونتابع هذا المرض وهو يفتك بالناس في كل مكان، لا يفرق بين صغير وكبير، ولا رجل وامرأة، ولا طفل ومسن.
وكأن لسان حاله يقول لنا: نحن إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين، انه بلاء لا يشبهه بلاء، وأياما سوداء عشناها، كنا نتابع من خلالها ما يحدث ونحن وجلون أيدينا على قلوبنا، نراقب ما يفعله هذا الوباء ولا نظن أننا نسلم منه، فياله من درس قاس، وأمر شديد، حتى المساجد، لم نستطع الصلاة فيها لفترة طويلة خوفا منه، إن ما مر بنا وبغيرنا لم يكن كقول القائل «أزمة وتعدي»، وإنما بلاء جثم على صدورنا وأطبق على خناقنا، ومنعنا حريتنا، وممارسة حياتنا اليومية، فتعطلت مصالح البلاد والعباد، وكل يقول نفسي ثم نفسي.
فهذا والله الاختبار الصعب والكلافة بعينها، كأن الله تعالى يقول لنا لست بحاجة إلى صلاتكم في المساجد وعباداتكم، ولكن طهروا قلوبكم من الرجس والنجس، وأحسنوا نواياكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وعودوا إلى رشدكم، إن هذه الكارثة التي حلت على رؤوسنا تنبيه لنا، فالله قادر على كل شيء وهو معنا أينما كنا لا تخفاه خافية، يرانا من حيث لا نراه، ولله در أبو العتاهية الشاعر حيث يقول:
ألا إننا كلنا بائد
وأي بني آدم خالد
وبدؤهم كان من ربهم
وكل إلى ربه عائد
فيا عجبا كيف يعصى الإله
ام كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة
وتسكينة للورى شاهد
فهل وعت ضمائرنا؟ وعرفنا الحق من الباطل؟ وهل استوعبنا الدرس؟ وهل عدنا إلى خالقنا وحاسبنا أنفسنا؟ وهل صحت ضمائرنا من غيبوبتها؟ أما آن لنا أن نعرف أن الله حق، وأن النعمة لا تدوم إلا بالحمد، نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، ولكن لابد لنا أن نأخذ بالأسباب ومن أهمها التقرب إلى الله والابتعاد عن نواهيه، ومحبة بعضنا بعضا، وأن نتبرأ من كل ذنب ارتكبناه، والحق أن الله تعالى رحمنا بأناس صالحين بيننا لا نعرفهم يدعون الله ليل نهار ويتضرعون إليه، بعد أن بلغ السيل الزبى وبلغ الحزام الطيبين، وعلينا أن نعرف تماما أن هذا الوباء جرس إنذار لنا وتنبيه وإن الله ليس بظلام للعبيد، فلنعتبر ونستكين ونرعوي، (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم دونه من وال)، فلنعد إلى الله لتعود لنا الحياة، حفظ الله الكويت وأهلها من كل سوء.