يقولون في الأمثال الشعبية: ما لك إلا خشمك لو كان عوج، وهذا المثل كثيرا ما ردده الناس في الماضي، وربما استخدمه البعض هذه الأيام، لأنه يحكي واقعا، والخشم الأنف، والعوج غير المستقيم، والمعنى قريب من القناعة والقبول والرضا بالموجود، فعلى المرء أن يتأقلم ويتكيف مع الوضع الذي يعيشه بحلوه ومره، وشدته ورخائه، فلربما كان بالأمر خيرة وهو لا يعلم ذلك، يقول المولى عز وجل: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) «البقرة - 216». إن الأوهام يا سادة لا تتحقق إلا بالأحلام، والمرء مسير لا مخير، والله هو المدبر، ولله در عمرو بن مالك حيث يقول:
الحرص للنفس فقر والقنوع غنى
والنفس إن قنعت بالقوت يكفيها
فإن كان أنفك كبيرا فارض بما قسمه الله لك، على الرغم من كثرة عمليات التجميل هذه الأيام التي تجعل من الأنف الكبير صغيرا، وعلى العموم فالمثل مأخوذ من صلب اللغة العربية والأصل: أنفك منك وان كان أجدع، وأول من قاله قنفذ بن جعونة المازني، للربيع بن كعب المازني، وقد حرفه الناس قليلا، ورد ذلك في كتاب الفاخر في الأمثال، ومن هنا أقول انه لابد من أن نتصالح مع أنفسنا لتسير بنا الحياة على وجه أفضل، فليس ثمة شيء أفضل من تصالح المرء مع نفسه، والحقيقة أن كل المشاكل التي نقع بها في خضم هذه الحياة سببها عجزنا عن التصالح مع أنفسنا، وهذا الأمر يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم تصالحنا مع الآخرين.
وهذه مشكلة يعاني منها كثير من الناس، سببها العناد والتغطرس والأنانية، علما بأنك إذا تصالحت مع نفسك صالحت غيرك وأرحت نفسك من القلق والتوتر، وعشت حياتك بالطول والعرض، ومهما بلغت الاختلافات بينك وبين الآخرين، فالتسامح مع الآخرين يكفيك الحل والترحال، ويعود بالخير على الجميع، فعلينا أن نعيش هذه الحياة مثلما هي لأننا لا تستطيع أن نغير قضاء الله وقدره مهما حاولنا، قضى بذلك الحكم العدل، ولكن المرء يستطيع تغيير طباع نفسه شيئا فشيئا، مما يجعل أموره تسير نحو الأفضل، إلا إن كان الله تعالى كتب عليك الشقاء.
ولا يعنى التصالح مع النفس الخمول والكسل والخنوع، وتغيير وضعك إلى الأفضل، فلا علاقة لهذا بذاك، كما أن علينا أن نعرف تمام المعرفة أن ليس من شأننا النظر في عيوب غيرنا، والبحث عن سقطاتهم، فإن كان في الآخرين عيوبا فمن منا سالم من العيوب، إن الشخص المتصالح مع نفسه متقبل للحوار مع غيره، بكل اختلافاته وتناقضاته، فلم لا نكون كذلك؟