الحياة كلها دروس وتجارب، فمنها يتعلم الإنسان، أما الصاحب فهو من ضروريات الحياة وليس من معرفته بد في هذه الحياة، فالدنيا بلا صديق ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة، وعلى كل الأحوال فلابد أن يكون للمرء صاحبا يركن إليه ويبثه همومه ويجد فيه العون عند الحاجة، فالصداقة أمر في غاية الأهمية، وربما رزق المرء بصديق يكون أقرب له من أخوه، فرب أخ لك لم تلده أمك، والأهم من ذلك أن نحسن اختيار الصديق بعقلانية وترو وبلا استعجال، وقد قيل إن الأصحاب ثلاثة: الأول مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والثاني مثل الدواء يحتاج إليه في حال المرض، والثالث مثل الداء مكروه على كل حال، فتشبث بالأول وإياك وهذا الثالث، وللأسف الشديد كثير من الناس يقعون في فخ أشباه الأصحاب لأنهم يستعجلون في اختيار أصحابهم، وربما يكون سبب ذلك المظاهر الكذابة واللسان المعسول، فلا يعتمدون الجوهر، ويغرهم المظهر، وما أكثر أشباه الأصحاب هذه الأيام لاحياهم الله ولا كثرهم، ثم سرعان ما يندم من أساء اختيار صديقه، وكثير من الناس مروا بهذه التجربة المريرة وندموا على سوء اختيارهم واستعجالهم، فيعترفون بخطئهم، لكن بعد فوات الأوان، وبنفس هذا الطريقة السريعة يبدون آراءهم في أصحابهم على استعجال وقبل المعرفة التامة وسبر غورهم، فيثنون عليهم ويمدحونهم بما ليس فيهم، دون تثبت، وبذلك يكونون قد أعطوا الحق لمن لاحق له وبعد فترة وجيزة يرون من هؤلاء (أشباه الأصحاب) ما لا يسرهم ويعجبهم، ويفاجأون بأنهم على العكس مما ظنوه فيهم تماما فيعرضون أنفسهم لموقف لا يحسدون عليه، لأنهم كذبوا أنفسهم، ومن الصعوبة بمكان تكذيب المرء نفسه أمام الناس، فكيف لي بذم شخص كنت بالأمس أثني عليه؟! ما يجعلهم يفقدون مصداقيتهم، وهذا الأمر ليس بالسهل، فمن الصعوبة بمكان أن يناقض المرء نفسه بنفسه، لأن في ذلك إحراجا كبيرا له، مما يجعلنا نتشبث بمقولة «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة»، والتوسط والاعتدال في كل الأمور أمر مستحب ولا يأتي إلا بالخير، وهو مبدأ ثابت من مبادئ الإسلام، والعجلة في مثل هذه الأمور ربما جاءت بما نكره، فكان ضررها أكثر من نفعها، فكيف يستعجل المرء في ضرر نفسه، حتى المبالغة في المدح أو الذم مذمومة، وقد قال السلف الصالح: «أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما»، ومن هنا قال أعشى شيبان:
لا تمدحن امرأ حتى تجربه
ولا تذمنه من غير تجريب
فحذار أن تقع في هذا الفخ وأن تصطادك شباك أشباه الأصحاب. ولله در عبدالله بن المبارك رضي الله عنه حيث يقول:
وإذا صاحبت فاصحب ماجدا
ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا
وإذا قلت نعم قال نعم
من هنا نقول: إن التروي قبل اتخاذ أي قرار أمر لابد منه خاصة في اختيار الصديق، فلا تفتح صندوقك لصاحب عرفته عن قريب، وإياك والمدح على عجالة فيمن لم تعرفه معرفة تامة، ودمتم سالمين.