هذا مثل جميل وردنا من مصر المحروسة، وهو حقيقة وواقع ملموس، وقد ظهر لنا وبالعين المجردة من يطبق هذا المثل وبكثرة دون وازع من ضمير، وبلا حياء أو خجل، وكي تتأكدوا تابعوا مواقع التواصل الاجتماعي لتروا الأعاجيب والأكاذيب، وبما أن الحياة أصبحت رتيبة وبها فراغ كبير فبعض الناس وهم ضعاف النفوس نجدهم بدلا من أن يشغلوا أنفسهم بما ينفعهم شغلوا أنفسهم بما يضرهم ويضر الناس، وبما لا شأن لهم به، وساروا في هذا الطريق بلا أدنى خوف أو وجل.
وفعلا بتنا نستيقظ صباحا على أخبارهم الفارغة، ينصبون أنفسهم منظرين وناقدين للناس حتى انهم يحشرون أنوفهم بما لا يعنيهم وليس من شأنهم، ولو التفتوا إلى أنفسهم لرأوا فيهم من العيوب ما الله به أعلم، فهم حكماء بلا حكمة، وعقلاء بلا عقل ولا بصيرة، يسعون جاهدين للطعن والثلب والتشويش على الناس لأنهم وكما يقال أفرغ من حجام ساباط، وهذا الرجل الحجام كسدت بضاعته، تمر عليه الأيام لا يأتيه زبون واحد، فقام بحيلة ومن له حيلة فليحتل، مفادها أنه طلب من أمه أن تأتيه كل يوم ليحجمها، فكانت أمه تأتيه فيحجمها ليرى الناس أنه ليس فارغا، وأن لديه زبائن، واستمر البائس على هذه الطريقة حتى ماتت أمه من كثرة ما نزفها.
وهؤلاء الناس مثل البراميل الفارغة آذوا البلاد والعباد، وتمادوا في غيهم، وقد وصفهم لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يبصر أحدهم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه، وليس أضيع من رجل يفطن لعيوب الناس ويغفل عن كبائر عيوبه، ولله در القائل:
وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره
عظيما وفي عينيه عن عيبه عمى
وكان محمد بن سيرين يقول: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس، ولا شك أن من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، يقول وليام شكسبير: نصف الأدب عدم التدخل فيما لا يعنيك، فما أكثر من شغل نفسه بأمور لا تخصه، وعندما احتضر أبودجانة الأنصاري دخل عليه أصحابه فإذا وجهه يتهلل نورا، فقيل له: ما بال وجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل أوثق عندي من اثنين، كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني وكان قلبي للمسلمين سليما.
إن التدخل في شؤون الغير مرض نفسي وداء عضال، يجعله في واد والناس في واد آخر، يغرد خارج السرب، ولا يفعل ذلك إلا ضعاف النفوس ولا أخال العاقل يجنح لمثل هذه الأخلاق الفاسدة، وقد قيل في الأمثال: من راقب الناس مات هما، فما شأني وشأنك بالناس؟ وما الذي يستفيده المرء من ذلك؟ وكيف بك وقد نبش الناس عيوبك ونشروها على الملأ، وصدق القائل: «الفاضي يعمل قاضي».