الحسد حقيقة ثابتة في نص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وهو داء قديم ومرض عضال يسكن في قلوب ضعفاء الإيمان، وأصحاب الهمم الساقطة، فيغلب على طباعهم، وفيه اعتراض على مشيئة الله تعالى وقسمته، ويعد من الذنوب الكبيرة التي يحاسب عليها الله حسابا عسيرا، وتجد الحاسد حاقدا ناقما لا يحب الخير للناس، وكأن بينه وبينهم عداوة قديمة، وأكثر ما يؤذي هذا الداء صاحبه فيدمره، ويشغله عن أمور حياته المهمة في أمور ليست من شأنه، وكان أول ذنب ارتكب في السماء هو حسد إبليس لأبينا آدم، وأول ذنب ارتكب في الأرض حسد قابيل لأخيه هابيل وقتله إياه، ثم استشرى هذا الداء في نفوس بعض البشر، وقد قيل في الأمثال «الحسود لا يسود»، و«لا يفلح الحاسد أينما توجه»، فهو معثور في كل أموره، ومكمن الشر في نفس الحاسد أنه لا يرضيه إلا زوال نعمة غيره، فيشعر بالسعادة جهلا منه بما يرصده الله له يوم القيامة من عقاب شديد يقول عبدالله بن المعتز:
اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
وما حل الحسد بأمة إلا ووقع بها الخراب وآذنت بزوال، ولا شك أن الحاسد يعاني من أمراض نفسية فهو مضطرب مذبذب، ضعيف الإرادة ساقط الهمة لأنه لا يستطيع أن ينال ما ناله غيره، فتجده في حزن دائم وكآبة ظاهرة، وبئس الشعار الحسد فصاحبه في غم لا ينقطع وعدم توفيق وسخط من الله عز وجل، ومن العجائب أن الحسد داء منصف يؤذي الحاسد اكثر من إيذائه المحسود، وعلى المرء العاقل ألا يلتفت إلى قول الحاسد وأن يتوكل على الله الذي بيده مفاتيح كل شيء، والطريف في الأمر أن هناك حساد هوى، فهذا الخليفة العباسي محمد الأمين يقول:
زر من تحب ودع مقالة حاسد
ليس الحسود على الهوى بمساعد
وإذا صفا لك في زمانك واحد
نعم الصديق فصاف ذاك الواحد
يقول الحسن البصري: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس، في حزن لازم وهم لا ينفد، والحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، وتجده يبغض من أحسن إليه، وواقع الحال أن هناك نوعا من الناس تتطلع للحصول على ما ليس لها، وتريد فوق حقها وهذا هو الطمع والجشع بعينه، وكل ذي نعمة محسود، فأصحاب الفضل يحسدهم المقصرون.