الزمان هو الزمان الذي نعرفه بساعاته وأيامه وشهوره وسنيه، لا يتغير حتى يرث الله الأرض ومن عليها، أما الشرم فأصلها الأشرم المقطوع الشفة، والبرم في اللغة الذي لا يدخل مع القوم في الميسر وجمعها أبرام، فيقال «كرام غير أبرام»، بمعنى ليسوا لئاما، فقيل على هذا السياق:
إن لم تكن لي والزمان شرم برم
لا خير فيك والزمان تراءلي
وهو حكمة وعظة، فإن لم تقف معي في أيام شدتي وحاجتي إلى مساعدتك فلست محتاجا لك في أيام راحتي ورغد عيشي، لا أريد صاحبا من هذه النوعية فالصاحب له حق كبير على صاحبه، فمن لا يعرف قيمة الصحبة والصداقة فليس بصديق، وتراءلي معناها رخاء الزمان ورغد العيش، ولا يقال هذا البيت من الشعر إلا للصاحب الذي يتخلى عن صاحبه وقت الشدة وما أكثرهم هذه الأيام، كقول الشافعي:
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم
لكنهم في النائبات قليل
وقد ورد البيت الأول في العديد من المراجع الأدبية ومنها موسوعة الزركلي، والحق اننا أصبحنا اليوم في زمان الشرم برم قولا وفعلا وتغيرت أمورنا كثيرا عما كانت عليه في الماضي، فلم يعد الصاحب صاحبا كما كان، وقد أصبح الابن لا يحترم أباه، ولا يصغى له، حتى الجار الذي أوصانا به نبينا صلى الله عليه وسلم لم يعد يحسب حسابا لجاره ولا يعنيه شأنه، وإن سألته عنه قال: لا أعرفه، والمسجد الذي كان الشباب يتسابقون إليه لم يعد بذي أهمية عند كثير منهم هذه الأيام، لقد تغيرت أمورنا رأسا على عقب، وليس للزمان ذنب فيما وصلنا إليه من نسف لقيمنا وثوابتنا، ونسيان ما كان عليه أجدادنا من أخلاق وعادات رائعة، فلا نظلم الزمان ونجعله شماعة لأخطائنا، الزمان لا يتغير ولا يغير شيئا من أمورنا على الإطلاق ولا يحرك ساكنا، ولا يستطيع ذلك، ولكن الناس هم الذين تغيروا، نحن في زمن انتهى فيه الحب والإخلاص، وأخذ الحق من القوي للضعيف، وأصبح الناس يحارب بعضهم بعضا لأقل الأسباب في ظل العولمة المزعجة التي نعيشها، عدمت القناعة فينا وازداد الطمع، صرنا نجري وراء المال جريا حثيثا، فلا مشاعر صادقة ولا روح إخاء، متناسين أن أمامنا سفرا طويلا وعقبة كؤودا، صعبة المرتقى، فكيف لنا أن نرتقيها مع قلة الزاد؟ سئل حكيم: من تحترم من الناس؟ قال: من أخلاقه كريمة ومجالسته غنيمة ونيته سليمة ومفارقته أليمة مثل المسك كلما مر عليه الزمن زاده قيمة، ودمتم سالمين.