لسنا بمعزل عما يدور حولنا من أحداث وحروب في كل بقاع الأرض سواء في عالمنا العربي أو الإقليمي، ولكن ما نلاحظه في خضم هذه الأحداث أن الكثير من الناس يتناولون هذه الأمور المهمة ويتحدثون بها بلا وعي وفهم وإدراك، وبعيدا عن العقل والمنطق.
إن الحديث في السياسة عند عامة الناس ممن لا يعرفون عنها شيئا خطأ فادح وبلاء، لأن السياسة لها أهلها، وليس كل من تحدث بها يفهمها، إنها السياسة وما أدراك ما السياسة، ولعل الحديث في هذا الجانب حديث ذو شجون، لا يخلو من الامتعاض والاستغراب والدهشة.
نعم فالسياسة بحر متلاطم الأمواج، إلا أن هذا البحر كثر من يعوم ويعبث فيه ما جعله يجف وينشف ويصبح عينا بعد أثر، كم كانت السياسة مهمة للغاية عندنا، وكم كان الناس يحرصون على متابعتها والاستماع لما يدور حولنا من أمور مهمة، فنستمع إليها صافية نقية، لا تشوبها شائبة، أما اليوم فقد فقدت طعمها وانتهت صلاحيتها، وصارت ليست بذات أهمية، ولا أبالغ إذا قلت إنها آخر همنا، لأنها لم تعد كما كانت عليه في الماضي، لكثرة ما استهلكت من أناس عبثيون لا علاقة لهم بها.
نعم هناك متخصصون بها يتحدثون ويناظرون ولكنهم غرقوا في بحر أشباه السياسيين، حتى صارت السياسة للوناسة والتمثيل والفكاهة ما أفقدها رزانتها، لقد ملها الناس فعلا لأنها صارت ملهاة وشغل من لا شغل له، فكل يدعي الفهم ويتحدث وكأنه محيط بهذا الجانب إحاطة تامة، وهو لا يعرف كوع السياسة من بوعها، والمشكلة أنها أصبحت ديدن الكثير من الناس، وما أن يفتح أحد هذا الباب حتى يستحوذ على آلاف مؤلفة من المتابعين والمصيبة أنه لا يفهم بها شيئا ومتابعوه مثله في قلة الفهم، فاجتمع المتعوس على خايب الرجاء، وهذا هو الخطر بعينه على المجتمع، ولا مانع أن يكذب لترتفع نسبة من يتابعه، وفي هذه الحالة يكون الخطر أكبر، وما يزيد الطين بلة التمثيل في طرح المواضيع، والسخرية والاستهزاء، ولا شك أن من يستمع إلى هؤلاء سيتشبه بهم وتتضاعف أعداد أشباه الساسة وتكون المصيبة أكبر، وحتى القنوات الإخبارية فأكثرها فقدت بريقها لأنها لا تعطي الحقيقة كما هي وإنما ما يصب في مصلحتها.
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ودمتم سالمين.