متصنعو الأخلاق كمن يلبسون ثوبا ليس من قياسهم ولا يصلح لهم، وقد كثروا في هذا الزمان لا كثرهم الله، والمتصنعون أنواع منوعة، فهناك متصنع الصحبة وهو أروغ من ثعلب، ومتصنع الحب والحب منه براء، ومتصنع الشيء الذي ليس له علاقة به، وهذه الظاهرة الغريبة نلاحظها ونراها في مجتمعنا، يقول شيخ شعراء الجاهلية زهير بن أبي سلمى في هذا المعنى:
ومهما يكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وشر الناس من هو في الظاهر صديق موافق وفي الباطن عدو جاحد منافق، ولا شك أن العادات قاهرات، فمن اعتاد شيئا في السر رجع إليه، مهما حاول إخفاءه، فالطبع يغلب التطبع، وشر البشر بديع اللسان بعيد عن الإحسان، مثل الأفعى ملمسها لين والسم ناقع في جوفها، يقول الشاعر العرجي:
يا أيها المتحلي غير شيمته
ومن شمائله التبديل والملق
ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه
إن التخلق يأتي دونه الخلق
والتخلق والرياء سالب للحياء، وما أخفته القلوب لابد أن تظهره القلوب طال الزمان أو قصر:
متى تك في صديق أو عدو
تخبرك الوجوه عن القلوب
إن متصنع الصحبة تفضحه الشدائد ومتصنع الأخلاق تفضحه الخصومة ومتصنع الحب أيضا تفضحه المصالح، وجمال المرء وقيمته أن يكون على طبيعته ما بقلبه على لسانه، أما عكس ذلك فهو النفاق بعينه، وأساس النفاق التصنع والتكلف والمبالغة، إن الإنسان الصادق دائما ما يكون قريبا إلى القلب تهش له الأنفس وتحترمه الناس حتى لو رأوه للمرة الأولى، ومسكين حقا من تكون حياته مصطنعة متلونة، فهذه العينة من الناس لا تشعر بالسعادة والراحة حتى وإن تظاهرت بذلك، وقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» والغريب حقا أن كثيرا ممن يتصنع الأخلاق يظنها وجاهة وشهرة ولا يدري أن الناس ستعرف حقيقته عاجلا أو آجلا، وقد قيل إن الأخلاق تصنع الرجال وبها يتميز الإنسان، هذا ودمتم سالمين.