هناك أناس يظنون أن الكبر وجاهة اجتماعية فيتكبرون على سواهم، إما لمراكزهم أو لأموالهم، متناسين أن المناصب لا تدوم، فلو دامت لغيرك ما اتصلت إليك، وكذلك المال ظل زائل، فهل رأيتم موسرا دفن ماله معه؟ كلنا لآدم وآدم من تراب، وانظروا إلى المتواضعين في كل مكان كم يحبهم الناس ويحترمونهم، ومن أصابه داء الكبر لن يسلم من الغرور والتيه والاعجاب بنفسه، وكلها صفات مقتها ديننا الحنيف، وأول من تكبر إبليس، لعنه الله، تكبر على آدم عليه السلام، وآدم أفضل منه، فكيف يرضى المرء على نفسه أن يتشبه بإبليس، إن التواضع أمر إلهي والله سبحانه وتعالى لا يأمرنا بشيء إلا ويعود بالنفع علينا، ولا ينهانا عن شيء إلا وكان إتيانه فيه الضرر لنا، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب في الناس: أيها الناس تواضعوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تواضع لله رفعه الله، فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم، ومن تكبر وضعه الله عز وجل، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير، (حديث مرفوع)، كما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار»، يقول منصور بن محمد الكريزي:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة
فكم مات أقوام هم منك أمنع
يقول رجاء بن حيوية: كنت جالسا وعمر بن عبدالعزيز، فخفت ضوء المصباح، فقام إليه فأصلحه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، هلا أمرت بإصلاحه؟ فقال: قمت وأنا عمر وجلست وأنا عمر. ومن صور التواضع أيضا أن عمر بن الخطاب خرج ويده بيد المعلى بن الجارود، فلقيته امرأة من قريش وقالت له: يا عمر، كنا نعرفك مدة عميرا، ثم صرت بعد عمير عمر، ثم بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يابن الخطاب وانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فبكى عمر، فقال لها المعلى: أيها يا أمة الله، لقد أبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر: أسكت أتدري من هذه ويحك؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه وعمر أحرى أن يسمع قولها ويقتدي به. والحقيقة أنه لا يتواضع إلا من كان واثقا بنفسه ولا يتكبر إلا من يشعر بالنقص، ولله در القائل:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يرفع نفسه
إلى طبقات الجو وهو وضيع
دمتم سالمين.