الهرج والمرج هو الوقوع في الفتنة، أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا يأتي الهرج والمرج بخير فهو داعية الفوضى، وقد نهانا ديننا الإسلام أشد النهي عن الفوضى، وقد كثر اللغط والهرج والمرج في البلد هذه الأيام، وزاد الهمز واللمز بعد معرفة الناس بما حدث للكويتي فهد طامي شافاه الله وعافاه، فصار الأمر متداولا على الألسن، وأصبح حديث الناس، في السر والعلن، فأدلى كل بدلوه دون تثبت وتحقق، كلام من أجل الكلام ليس إلا، مما جعل لسان حالنا ونحن نسمع ما يدور يردد قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
إلام الخلف بينكم إلاما
وهذي الضجة الكبرى علاما
والحقيقة أنه ليس من حق احد إبداء الرأي في مثل هذا الأمر الحساس على العلن قبل ظهور الحقيقة، وتكشف غوامضها، ولو صبروا وتريثوا لظهرت الحقيقة المجردة، ولكن الناس يستبقون الأحداث، ولله در القطامي حيث يقول:
قد يبلغ المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقد عشنا الأيام الماضية في لغط، وكلام كثير وهذا اللغط قد يظن البعض أنه وليد قضية عبدالله طامي، ولكن الواقع الملموس يقول غير ذلك فنحن في هرج ومرج منذ وعيت على الدنيا، وما أن تظهر قضية للعلن حتى يبدأ الناس بتداولها والحديث عنها خالطين حابلها بنابلها والحقيقة بخلافها، ويستمرون على ذلك لفترة ثم يتركون هذا الموضوع ويتناولون موضوعا آخر وينسون ما قبله، وكأنه لم يحدث، فنحن على هذا المنوال منذ زمن ليس بالقصير، أما فيما يخص بقضية الرجل فهي بيد النيابة والقضاء العادل وليس من حقنا أن نفتي بأمر لا يخصنا، والتدخل فيما لا يعنينا، وفي النهاية فالحق والعدل هو الذي سيطبق وستظهر الحقيقة واضحة جلية ومن ثم ينال المذنب جزائه، ويطبق عليه القانون عاجلا أو أجلا لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، شاء من شاء وأبى من أبى.
وقد فتح النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ أحمد النواف تحقيقا في الأمر وقام بواجبه وما يمليه عليه ضميره على أكمل وجه، وليس هذا بغريب عليه، وهو يتابع القضية أولا بأول، ونعلم أنه لا يقبل بالخطأ، لذا فلن يفلت المذنب من العقاب كائنا من كان، ولن يقبل بأي تجاوزات في بلد الحريات، ومع ذلك فنحن لا نريد التكسب الشخصي على حساب مشاكل الناس وهمومهم وقضاياهم وآلامهم، فكرامة الناس وخصوصياتهم فوق كل شيء وإن ثبت ما نسب إلى المباحث في هذه القضية، سيطبق عليهم القانون، وحينئذ لكل حادث حديث، ولنترك القانون يأخذ مجراه بكل شفافية فنحن لسنا بقضاة حتى نبدي آراءنا ونحدد ما يجب أن يفعله القضاء، ولنترك ما يعنينا وننظر لما يعنينا ونحفظ ألستنا من لغو الكلام فلا نستبق الأحداث، إن كنتم تريدون لهذا الوطن أن يدوم ويستمر، فحقوق الناس وكراماتهم محفوظة، فلا نكيل التهم جزافا ونجعلها هرجا ومرجا.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
دمتم سالمين.